إهماله لحقوق خالقه ، وعدم اهتمامه بأدائها.
ثم ساقت الآيات بعد ذلك ألوانا من نعمه ـ تعالى ـ على خلقه فقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) والفاء هنا للتفريع على ما تقدم ، مع إفادتها معنى الفصيحة.
أى : إذا أراد أن يقضى ويؤدى ما أمره الله ـ تعالى ـ من تكاليف ، فلينظر هذا الإنسان إلى طعامه ، وكيف أوجده ـ سبحانه ـ له ، ورزقه إياه ، ومكنه منه ... فإن في هذا النظر والتدبر والتفكر ، ما يعينه على طاعة خالقه ، وإخلاص العبادة له.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر تهيئة هذا الطعام للإنسان ... فقال : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا).
قال الجمل : قرأ الكوفيون (أَنَّا) بالفتح. على البدل من طعامه ، فيكون في محل جر بدل اشتمال ، بمعنى أن صب الماء سبب في إخراج الطعام فهو مشتمل عليه.
وقرأ غيرهم بكسر الهمزة على الاستئناف المبين لكيفية إحداث الطعام ... (١).
والصب : إنزال الماء بقوة وكثرة. أى : إنا أنزلنا المطر من السماء إنزالا مصحوبا بالقوة والكثرة ، لحاجتكم الشديدة إليه في حياتكم.
(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) أى : ثم شققنا الأرض بالنبات شقا بديعا حكيما ، بحيث تخرج النباتات من باطنها خروجا يبهج النفوس ، وتقر به العيون.
(فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) أى : فأنبتنا في الأرض حبا كثيرا ، تقتاتون منه ، وتدخرونه لحين حاجتكم إليه ، والحب : يشمل الحنطة والشعير والذرة.
(وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا) أى : وأنبتنا في الأرض ـ أيضا ـ بقدرتنا ورحمتنا (عِنَباً) وهو ثمر الكرم المعروف بلذة طعمه.
(وَقَضْباً) وهو كل ما يؤكل من النبات رطبا ، كالقثاء والخيار ونحوهما ، وقيل : هو العلف الرطب الذي تأكله الدواب ، وسمى قضبا ، لأنه يقضب ـ أى يقطع ـ بعد ظهوره مرة بعد أخرى.
وأنبتنا فيها كذلك (زَيْتُوناً وَنَخْلاً) وهما شجرتان معروفتان بمنافعهما الجمة ، وبثمارهما المفيدة.
(وَحَدائِقَ غُلْباً) والحدائق جمع حديقة وهي البستان المليء بالزروع والثمار.
و (غُلْباً) جمع غلباء. أى : وأنبتنا في الأرض حدائق عظيمة ، ذات أشجار ضخمة ، قد
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٩٠.