ثالثها : أنه يضم إلى كل صنف من كان في طبقته ، فيضم الطائع إلى مثله .. (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) ولفظ «الموءودة» من الوأد ، وهو دفن الطفلة حية.
قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود : إذا أثقل. قال ـ تعالى ـ (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) ، لأنه إثقال بالتراب.
فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن ، أو الخوف من الإملاق.
فإن قلت : فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذي قتلت به؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، نحو التبكيت ـ لقوم عيسى ـ في قوله ـ تعالى ـ لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢).
أى : وإذا الموءودة سئلت ، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها ، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك.
ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها ، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة ، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه.
وقد حكى القرآن في كثير من الآيات ، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ، أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ ، أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٣).
ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب ، فقريش ـ مثلا ـ لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف في قبائل ربيعة ، وكنده ، وتميم. ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل ، جاء الحكم عاما في شأن أهل الجاهلية.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) أى : بسطت بعد أن كانت مطوية ، وهي صحف الأعمال التي سجلتها الملائكة على أصحابها ، سواء أكانت تلك الأعمال خيرا أم شرا ، فهذه الصحائف تطوى عند الموت ، وتنشر يوم القيامة ، يوم الحساب والجزاء.
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٣٩.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٨.
(٣) سورة النحل الآيتان ٥٨ ، ٥٩.