يعنى : إنكم تطلبون لنا الهلاك الذي هو استعجال للفوز والسعادة ، وأنتم في أمر هو الهلاك الذي لا هلاك بعده .. (١).
والمراد بالهلاك : الموت ، وبالرحمة : الحياة والنصر بدليل المقابلة ، وقد منح الله ـ تعالى ـ نبيه العمر المبارك النافع ، فلم يفارق صلىاللهعليهوسلم الدنيا إلا بعد أن بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وكانت كلمته هي العليا.
والاستفهام في قوله (أَرَأَيْتُمْ) للإنكار والتعجيب من سوء تفكيرهم.
والرؤية علمية ، والجملة الشرطية بعدها سدت مسد المفعولين.
وقال ـ سبحانه ـ (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) للإشارة إلى أن كفرهم هو السبب في بوارهم وفي نزول العذاب الأليم بهم.
ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الخامسة ، أن يبين لهم أنه هو وأصحابه معتمدون على الله ـ تعالى ـ وحده ، ومخلصون له العبادة والطاعة ، فقال : (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ..).
أى : وقل يا محمد لهؤلاء الجاحدين : إذا كنتم قد أشركتم مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، فنحن على النقيض منكم ، لأننا أخلصنا عبادتنا للرحمن الذي أوجدنا برحمته ، وآمنا به إيمانا حقا ، وعليه وحده توكلنا وفوضنا أمورنا.
وأخر ـ سبحانه ـ مفعول (آمَنَّا) وقدم مفعول (تَوَكَّلْنا) ، للتعريض بالكافرين ، الذين أصروا على ضلالهم ، فكأنه يقول : نحن آمنا ولم نكفر كما كفرتم ، وتوكلنا عليه وحده ، ولم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من أصنامكم وأموالكم وأولادكم ..
وقوله (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) مسوق مساق التهديد والوعيد أى : فستعلمون في عاجل أمرنا وآجله ، أنحن الذين على الحق أم أنتم؟ ونحن الذين على الباطل أم أنتم؟ ..
فالمقصود بالآية الكريمة التهديد والإنذار ، مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف ، الذي يحملهم على التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون.
ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم للمرة السادسة ، أن يذكرهم بنعمة الماء الذي يشربونه فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨٣.