ونسب ـ سبحانه ـ القول إلى الرسول ـ وهو جبريل ـ لأنه هو الواسطة في تبليغ الوحى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
ثم وصف ـ سبحانه ـ أمين وحيه جبريل بخمس صفات : أولها : قوله (كَرِيمٍ) أى : ملك شريف ، حسن الخلق ، بهى المنظر ، ثانيها : (ذِي قُوَّةٍ) أى : صاحب قوة وبطش.
كما قال ـ تعالى ـ : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ..) ثالثها : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أى : أن من صفات جبريل ـ عليهالسلام ـ أنه ذو مكانة رفيعة ، ومنزلة عظيمة عند الله ـ تعالى ـ.
رابعها : قوله ـ تعالى ـ (مُطاعٍ) أى يطيعه من معه من الملائكة المقربين.
وخامسها : قوله : ـ سبحانه ـ (ثَمَّ أَمِينٍ) و «ثم» بفتح الثاء ـ ظرف مكان للبعيد. والعامل ما قبله أو ما بعده ، والمعنى : أنه مطاع في السموات عند ذي العرش ، أو أمين فيها ، أى : يؤدى ما كلفه الله ـ تعالى ـ به بدون أية زيادة أو نقص.
قال الشوكانى : ومن قال إن المراد بالرسول محمد صلىاللهعليهوسلم فالمعنى : أنه ذو قوة على تبليغ الرسالة إلى الأمة ، مطاع يطيعه من أطاع الله ، أمين على الوحى.
وقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) : الخطاب لأهل مكة ، والمراد بصاحبهم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
والمعنى : وما محمد يا أهل مكة بمجنون ، وذكره بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره ، وأنه ليس مما يرمونه من الجنون وغيره في شيء ، وأنهم افتروا عليه ذلك ، عن علم منهم ، بأنه أعقل الناس وأكملهم ، وهذه الجملة داخلة في جواب القسم.
فأقسم ـ سبحانه ـ بأن القرآن نزل به جبريل ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ليس كما يقولون من أنه مجنون ، وأنه يأتى بالقرآن من جهة نفسه (١).
فالمقصود بالآية نفى الجنون عن النبي صلىاللهعليهوسلم بأكمل وجه ، وتوبيخ أعدائه الذين اتهموه بتهمة هم أول من يعلم ـ عن طريق مشاهدتهم لاستقامة تفكيره ، وسمو أخلاقه ـ أنه أكمل الناس عقلا وأقومهم سلوكا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) معطوف ـ أيضا ـ على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فهو من جملة المقسم عليه.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٣٩١ ، للشوكانى.