بالنهار ، أى : يغيب ضوؤها عن العيون بالنهار ، ويظهر بالليل ، والتي تجرى من مكان إلى آخر بقدرة الله ـ تعالى ـ ثم تكنس ـ أى : تستتر وقت غروبها ـ كما تتوارى الظباء في كنسها ... إن هذا القرآن لقول رسول كريم.
قال ابن كثير ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ) : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتظهر بالليل ، روى ذلك عن على بن أبى طالب وابن عباس ومجاهد.
وقال بعض الأئمة : وإنما قيل للنجوم «الخنس» أى : في حال طلوعها ، ثم هي جوار في فلكها ، وفي حال غيبوبتها ، يقال لها «كنس» ، من قول العرب. أوى الظبى إلى كناسه : إذا تغيب فيه.
وفي رواية عن ابن عباس : أنها الظباء ، وفي أخرى أنها بقر الوحش حين تكنس إلى الظل أو إلى بيوتها.
وتوقف ابن جرير في قوله : (بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) هل هي النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال : ويحتمل أن يكون الجميع مرادا .. (١).
وقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) معطوف على ما قبله. وداخل في حيز القسم.
وقوله (عَسْعَسَ) أدبر ظلامه أو أقبل ، فهذا اللفظ من الألفاظ التي تستعمل في الشيء وضده ، إلا أن المناسب هنا يكون المراد به إقبال الظلام ، لمقابلته بالصبح إذا تنفس ، أى : أضاء وأسفر وتبلج.
وقيل : العسعسة : رقة الظلام وذلك في طرفي النهار ، فهو من المشترك المعنوي ، وليس من الأضداد ، أى : أقبل وأدبر معا. أى : وحق النجوم التي تغيب بالنهار ، وتجرى في حال استتارها .. وحق الليل إذا أقبل بظلامه ، والصبح إذا أقبل بضيائه.
(إِنَّهُ) أى : القرآن الكريم (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وهو جبريل ـ عليهالسلام ـ الذي أرسله ربه إلى نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم لكي يبلغه وحيه ـ تعالى ـ.
وأقسم الله ـ تعالى ـ بهذه الأشياء ، لأنها في حركاتها المختلفة ، من ظهور وأفول ، ومن إقبال وإدبار .. تدل دلالة ظاهرة على قدرة الله ـ تعالى ـ ، وعلى بديع صنعه في خلقه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٦٠.