(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٣٦)
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات ، أن بعض المشركين ـ كأبى جهل والعاص بن وائل ـ كانوا يستهزئون من فقراء المسلمين كصهيب وعمار بن ياسر.
وقوله ـ سبحانه ـ (أَجْرَمُوا) من الإجرام ، وهو ارتكاب الجرم. ويطلق على الإثم العظيم. والذنب الكبير ، والمراد بإجرامهم هنا : كفرهم بالله ـ تعالى ـ واستهزاؤهم بالمؤمنين. أى : إن الذين ارتكبوا في دنياهم أقبح الجرائم وأشنعها ، وهم زعماء المشركين (كانُوا) في الدنيا (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) أى : كانوا في حياتهم يتهكمون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم ، ويعتبرونهم الأراذل الذين يجب الابتعاد عنهم.
(وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) أى : وإذا مر هؤلاء المجرمون بالمؤمنين سخروا منهم ، وتغامزوا فيما بينهم على سبيل الاستهزاء بفقراء المؤمنين.
والتغامز : تفاعل من الغمز ، وهو الإشارة بالجفون والحواجب على سبيل الطعن والتهكم.
أى : يغمز أحدهم الآخر لينبه إلى ما عليه فقراء المسلمين من شظف العيش ، ومن غير ذلك من الأحوال التي لا يرضاها المشركون لجهلهم وغرورهم وبلادة حسهم.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أى : وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التي كانوا فيها .. رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين. والسخرية منهم.
فهم لإيغالهم في الكفر والفسوق والعصيان ، لا يكتفون بالغمز واللمز عند ما يرون المؤمنين ، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم ، مادة تفكههم وضحكهم.
فقوله : (فَكِهِينَ) جمع فكه ، صفة مشبهة ، وهي قراءة حفص عن عاصم.