وقرأ الجمهور فاكهين اسم فاعل : من فكه ـ بزنة ـ فرح ـ إذا مزح في كلامه ليضحك أو يضحك غيره.
وحذف متعلق «فكهين» للعلم به. أى : رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين.
وقوله : (وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) أى : أن هؤلاء الذين أجرموا ، لا يكتفون بغمز المؤمنين ولمزهم وجعلهم مادة السخرية في أحاديثهم مع أهليهم.
بل إنهم تجاوزوا ذلك ، فهم عند ما يرون المؤمنين يقولون عنهم : هؤلاء هم الضالون ، لأنهم تركوا دين آبائهم وأجدادهم ، ودخلوا في دين آخر.
فمرادهم بالضلال : فساد الرأى. وعدم البقاء على دينهم القديم.
وهكذا الأشرار يرون أن أهل الحق والتقى في ضلال.
وجملة : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) جملة حالية من الضمير في (قالُوا).
أى : قالوا إن هؤلاء المؤمنين لضالون ، والحال أن هؤلاء المشركين ما أرسلهم الله ـ تعالى ـ ليكونوا وكلاء عنه ، حتى يحكموا على هذا الفريق بالضلال. وعلى غيره بالرشاد.
فالمقصود بالآية الكريمة : تأنيب الذين أجرموا وتوبيخهم على تصرفاتهم ، لأن الحكم على الغير بالهداية والضلال. هم ليسوا أهلا له إطلاقا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يكلفهم بذلك ، وإنما كلفهم باتباع الرسول الذي أرسله ـ سبحانه ـ لهدايتهم.
فحكمهم على المؤمنين بالضلال يدل على نهاية الغرور والجهل.
ثم ببشر الله ـ تعالى ـ المؤمنين بما سيكونون عليه يوم القيامة من نعيم فقال : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ).
والفاء في قوله (فَالْيَوْمَ) للسببية ، والمراد باليوم : يوم الجزاء والحساب.
أى : فبسبب استهزاء الذين أجرموا من المؤمنين في الدنيا ، كافأ الله ـ تعالى ـ المؤمنين على صبرهم ، بأن جعلهم يوم القيامة يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين ، كما كان الكفار يضحكون من المؤمنين في الدنيا.
فالمقصود من الآية الكريمة تسلية المؤمنين ، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب .. وأنهم ـ أى : المؤمنين ـ سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش ، وأنهم لا ينظرون إلا إلى ما يسرهم ويبهج نفوسهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)