ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي .. عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال جبريل : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه».
ومن الناس من يعيد الضمير على قوله (رَبِّكَ) أى : فملاق ربك فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا فكلا القولين متلازم. (١).
ثم فصل ـ سبحانه ـ بعد ذلك عاقبة هذا الكدح ، والسعى المتواصل .. فقال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً).
والمراد بالكتاب هنا : صحيفة العمل التي سجلت فيها حسنات الإنسان وسيئاته.
والمراد بالحساب اليسير : عرض الأعمال ، مع التجاوز عن الهفوات ، بفضل الله ـ تعالى ـ : أى : الناس جميعا يكدحون في هذه الحياة ، ثم يعودون إلى خالقهم للحساب والجزاء ، فأما من أعطى كتابه بيمينه ، وهم المؤمنون الصادقون ، فسوف يحاسب من ربه ـ تعالى ـ حسابا يسيرا سهلا ، بأن تعرض أعماله على خالقه ـ تعالى ـ ثم يكون التجاوز عن المعاصي والثواب على الطاعة ، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة.
ثم ينقلب هذا الإنسان بعد ذلك إلى أهله وعشيرته ، مبتهجا مسرورا ، بسبب فضل الله ـ تعالى ـ عليه ، ورحمته به.
وعبر ـ سبحانه ـ عن فوز هذا الإنسان ، بأنه يؤتى كتابه بيمينه ، للإشعار بأنه من أهل السعادة والتقوى ، فقد جرت العادة أن اليد اليمنى إنما تتناول بها الأشياء الزكية الحسنة. والباء في قوله (بِيَمِينِهِ) للملابسة أو المصاحبة ، أو بمعنى في.
قال الآلوسى : والحساب اليسير : هو السهل الذي لا مناقشة فيه. وفسره صلىاللهعليهوسلم بالعرض وبالنظر في الكتاب ، مع التجاوز ، أخرج الشيخان عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس أحد يحاسب إلا هلك». قلت يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، أليس الله ـ تعالى ـ يقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، قال : ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك».
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة ـ أيضا ـ قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في بعض صلاته : «اللهم حاسبني حسابا يسيرا» فلما انصرف قلت له : يا رسول الله ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٨.