قوله ـ تعالى ـ (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أى : ولو كنتم في قصور عظيمة محصنة.
والمراد بها هنا : المنازل الخاصة بالكواكب السيارة ، ومداراتها الفلكية الهائلة ، وهي اثنا عشر منزلا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت.
وسميت بالبروج ، لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها.
قال القرطبي : قوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) : قسم أقسم الله ـ عزوجل ـ به. وفي البروج أربعة أقوال : أحدها : ذات النجوم. الثاني : ذات القصور .. الثالث : ذات الخلق الحسن. الرابع : ذات المنازل .. وهي اثنا عشر منزلا .. (١) وقوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) المقصود به : يوم القيامة ، لأن الله ـ تعالى ـ وعد الخلق به ، ليجازى فيه الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وقوله : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قسم ثالث ببعض مخلوقاته ـ تعالى ـ. والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية ، فالشاهد هو الرائي ، أو المخبر غيره عما رآه وشاهده.
والمشهود : اسم مفعول ، وهو هنا الشيء المرئي ، أو المشهود عليه بأنه حق.
فالمراد بالشاهد : من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين ، وما يراه فيه من عجائب وأهوال ، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور ، أو من يشهد في ذلك اليوم على غيره ، من الشهادة على الخصم.
وقد ذكر المفسرون في معنى هذين اللفظين ، ما يقرب من عشرين وجها.
قال صاحب الكشاف وقوله : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) يعنى : وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه. والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم. وبالمشهود : ما في ذلك اليوم من عجائبه. ثم قال : وقد اضطربت أقوال المفسرين فيهما ، فقيل : الشاهد والمشهود : محمد صلىاللهعليهوسلم ويوم القيامة. وقيل : عيسى وأمته. وقيل : أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وسائر الأمم. وقيل : يوم التروية ويوم عرفة. وقيل : يوم عرفة ويوم الجمعة. وقيل : الحجر الأسود. والحجيج. وقيل : الأيام والليالى. وقيل : الحفظة وبنو آدم .. (٢).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٢٨٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٢٩.