ويبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب : أن المراد بالشاهد هنا : الحاضر في ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، والرائي لأهواله وعجائبه.
وأن المراد بالمشهود : ما يشاهد في ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان.
وقال ـ سبحانه ـ (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) بالتنكير ، لتهويل أمرهما ، وتفخيم شأنهما.
وقوله ـ تعالى ـ (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) جواب القسم بتقدير اللام وقد.
أى : وحق السماء ذات البروج ، وحق اليوم الموعود ، وحق الشاهد والمشهود ، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود ، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم.
والأخدود : وهو الحفرة العظيمة المستطيلة في الأرض ، كالخندق ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخد لمجارى الدمع ، والمخدة : لأن الخد يوضع عليها.
ويقال : تخدد وجه الرجل ، إذا صارت فيه التجاعيد .. ومنه قول الشاعر :
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها |
|
عليه ، نقى اللون لم يتخدد |
وقيل : إن جواب القسم محذوف ، دل عليه قوله ـ تعالى ـ : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود.
وأصحاب الأخدود : هم قوم من الكفار السابقين ، حفروا حفرا مستطيلة في الأرض ، ثم أضرموها بالنار ، ثم ألقوا فيها المؤمنين ، الذين خالفوهم في كفرهم ، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده.
وقوله ـ سبحانه ـ : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) بدل اشتمال مما قبله وهو الأخدود.
والوقود : اسم لما توقد به النار كالحطب ونحوه. وذات الوقود : صفة للنار.
أى : قتل وطرد من رحمة الله أصحاب الأخدود ، الذين أشعلوا فيه النيران ذات اللهب الشديد ، لكي يلقوا المؤمنين فيها.
والظرف في قوله ـ تعالى ـ (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) متعلق بقوله ـ تعالى ـ : (قُتِلَ). أى : لعنوا وطردوا من رحمة الله ، حين قعدوا على الأخدود ، ليشرفوا على من يعذبونهم من المؤمنين.
فالضمير «هم» يعود على أولئك الطغاة الذين كانوا يعذبون المؤمنين ويجلسون على حافات الأخدود ليروهم وهم يحرقون بالنار ، أو ليأمروا أتباعهم وزبانيتهم بالجد في التعذيب حتى لا يتهاونوا في ذلك.