و (عَلى) للاستعلاء المجازى ، إذ من المعلوم أنهم لا يقعدون فوق النار ، وإنما هم يقعدون حولها ، لإلقاء المؤمنين فيها.
وجملة (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) في موضع الحال من الضمير في قوله : (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ). أى : أن هؤلاء الطغاة الظالمين ، لم يكتفوا بإشعال النار ، والقعود حولها وهم يعذبون المؤمنين ، بل أضافوا إلى ذلك ، أنهم يشهدون تعذيبهم ، ويرونه بأعينهم على سبيل التشفي منهم ، فقوله (شُهُودٌ) بمعنى حضور ، أو بمعنى يشهد بعضهم لبعض أمام ملكهم الظالم ، بأنهم ما قصروا في تعذيب المؤمنين. وهذا الفعل منهم. يدل على نهاية القسوة والظلم ، وعلى خلو قلوبهم من أى رحمة أو شفقة.
قال الآلوسى : وقوله : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أى : يشهد بعضهم لبعض عند الملك ، بأن أحدا لم يقصر فيما أمر به ، أو يشهدون عنده على حسن ما يفعلون .. أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة ، أو يشهدون على أنفسهم بذلك ، كما قال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقيل : «على» بمعنى مع. أى : وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور ، لا يرقون لهم ، لغاية قسوة قلوبهم ...» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
والنقمة هنا بمعنى الإنكار والكراهية. يقال : نقم فلان هذا الشيء ، ـ من باب ضرب ـ إذا كرهه وأنكره.
أى : أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب ، إلا لشيء واحد ، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله ـ تعالى ـ صاحب العزة التامة ، والحمد المطلق ، والذي له ملك جميع ما في السموات والأرض ، وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء شهيد ورقيب ، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده ، أو حال من أحوالهم.
فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين ، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين ، حيث عذبوا المؤمنين ، لا لشيء إلا من أجل إيمانهم بخالقهم ، وكأن الإيمان في نظرهم جريمة تستحق الإحراق بالنار.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٩٠.