وهكذا النفوس عند ما يستحوذ عليها الشيطان ، تتحول الحسنات في نظرها إلى سيئات ، وقديما قال المنكوسون من قوم لوط ـ عليهالسلام ـ (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
والاستثناء في قوله : (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ ..) استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قول القائل :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ).
قال الإمام ابن كثير : وقد اختلفوا في أهل هذه القصة من هم؟ فعن على ابن أبى طالب : أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم ، فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم.
وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن ، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم ، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم ، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين ، فخذوا لهم الأخاديد ، وأحرقوهم فيها.
ثم ذكر ـ رحمهالله ـ بعد ذلك جملة من الآثار في هذا المعنى فارجع إليها إن شئت. (١) وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان ، وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم ، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى ، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين ، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم ، وقد اقتضت سنته ـ تعالى ـ أن يجعل العاقبة للمتقين.
ثم هدد ـ سبحانه ـ كفار قريش بسوء المصير ، إذا ما استمروا في إيذائهم للمؤمنين ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ).
وقوله : (فَتَنُوا) من الفتن ، بمعنى الاختبار والامتحان. تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : أدخلته في النار لتعلم جودته من رداءته ، والمراد به هنا : التعذيب والتحريق بالنار.
أى : إن الظالمين الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات ، وأحرقوهم بالنار ثم لم يتوبوا إلى الله ـ تعالى ـ من ذنوبهم ، ويرجعوا عن تعذيبهم للمؤمنين والمؤمنات ، فلهم في الآخرة عذاب
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٨٧.