وقد جاء التعبير بقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَدْراكَ ...) ثلاث عشرة مرة في القرآن الكريم ، كلها جاء الخبر بعدها ـ كما هنا ـ ، وكما في قوله ـ تعالى ـ (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ. لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) وكما في قوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ..) إلا واحدة لم يأت الخبر بعدها ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ..).
أما التعبير بقوله ـ تعالى ـ : (وَما يُدْرِيكَ ..) فقد جاء ثلاث مرات ، ولم يأت الخبر بعد واحدة من هذه المرات. قال ـ تعالى ـ : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً). (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
قال القرطبي : قال سفيان : كل ما في القرآن وما أدراك فقد أخبر به ، وكل شيء قال فيه : وما يدريك ، لم يخبر به.
وقوله (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) بيان وتفسير للطارق ، والثاقب. أى : المضيء الذي يثقب الظلام ويخرقه بنوره فينفذ فيه ، ويبدده.
والجملة الكريمة مستأنفة ، وهي جواب عن سؤال مقدر نشأ مما قبله ، كأنه قيل : وما هو الطارق؟ فكان الجواب : هو النجم الثاقب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) جواب القسم وما بينهما كلام معترض لتفخيم شأن المقسم به .. والحافظ : هو الذي يحفظ ما كلف بحفظه ، لمقصد معين. أى : وحق السماء البديعة الصنع ، وحق النجم الذي يطلع فيها فيبدد ظلام الليل ، ما كل نفس من الأنفس إلا وعليها من الملائكة من يحفظ عملها ويسجله ، سواء أكان هذا العمل خيرا أم شرا.
قال الإمام الشوكانى ما ملخصه : قرأ الجمهور بتخفيف الميم في قوله : لما ، فتكون «إن» مخففة من الثقيلة ، فيها ضمير الشأن المقدر ، وهو اسمها ، واللام هي الفارقة ـ بين «إن» النافية ، و «إن» المخففة من الثقيلة ـ وما مزيدة. أى : إن الشأن كل نفس لعليها حافظ.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم في قوله (لَمَّا) ، فتكون «إن» نافية ، و «لما» بمعنى إلا. أى : ما كل نفس إلا عليها حافظ.
والحافظ : هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها. وقيل : الحافظ هو الله ـ تعالى ـ وقيل : هو العقل يرشدهم إلى المصالح.