والتقدير : وحق هذه المخلوقات لتعذبن ـ أيها الكافرون ـ كما عذب الذين من قبلكم ، مثل عاد وثمود وفرعون.
قال الجمل : فإن قلت : ما فائدة قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ). بعد أن أقسم ـ سبحانه ـ بالأشياء المذكورة؟ قلنا : هو لزيادة التأكيد والتحقيق للمقسم عليه ، كمن ذكر حجة باهرة ، ثم قال : أفيما ذكرته حجة؟.
وجواب القسم محذوف ، أى : لتعذبن يا كفار مكة ، وقيل هو مذكور وهو قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ، وقيل محذوف لدلالة المعنى عليه ، أى لنجازين كل أحد بعمله .. (١).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ على سبيل الاستشهاد ، ما أنزله من عذاب مهين ، بالأقوام المكذبين. فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ).
والاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَ ..) للتقرير ، والرؤية : علمية ، تشبيها للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف ، لأن أخبار هذه الأمم كانت معلومة للمخاطبين.
ويجوز أن تكون الرؤية بصرية ، لكل من شاهد آثار هؤلاء الأقوام البائدين ..
والمراد بعاد : تلك القبيلة المشهورة بهذا الاسم ، والتي كانت تسكن الأحقاف ، وهو مكان في جنوب الجزيرة العربية ، معروف للعرب ، قال ـ تعالى ـ : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
سموا بذلك نسبة إلى أبيهم عاد بن عوص ، بن إرم ، بن سام ، بن نوح ـ عليهالسلام ـ فقوله ـ تعالى ـ : (إِرَمَ) عطف بيان لعاد ، لأنه جده الأدنى.
وقوله ـ تعالى ـ : (ذاتِ الْعِمادِ) صفة لعاد ، و «ذات» وصف مؤنث لأن المراد بعاد القبيلة ، سمى أولاده باسمه ، كما سمى بنو هاشم هاشما.
والمقصود بهذه القبيلة عاد الأولى ، التي أرسل الله ـ تعالى ـ إليهم هودا ـ عليهالسلام ـ. وكانوا معروفين بقوتهم وضخامة أجسامهم .. وقد جاء الحديث عنهم كثيرا في القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ...).
وقوله ـ سبحانه ـ : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) صفة أخرى لقبيلة عاد.
والمعنى : لقد وصل إلى علمك ـ أيها الرسول الكريم ـ بصورة يقينية ، خبر قبيلة عاد ، التي جدها الأدنى «إرم بن سام بن نوح «والتي كانت تسكن بيوتا ذات أعمدة ، ترفع عليها
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٣٠.