على ظهرها .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ ...) هذه الآية وأمثالها من آيات الصفات التي يرى السلف وجوب الإيمان بها كما جاءت ، بمعنى أننا نؤمن بمجيء الله ـ تعالى ـ ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ، بل نكل علم كيفية مجيئه إلى مشيئته ـ تعالى ـ.
والخلف يؤولون ذلك بأى المجيء هنا بمعنى مجيء أمره وقضائه.
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ ...) قال منذر بن سعيد ، معناه : ظهر ـ سبحانه ـ للخلق هنالك ، وليس ذلك بمجيء نقلة .. وقيل : الكلام على حذف مضاف للتهويل ، أى : وجاء أمر ربك وقضاؤه. واختار جمع أنه تمثيل لظهور آيات اقتداره ـ تعالى ـ وتبيين آثار قدرته وسلطانه ، مثلت حاله ـ سبحانه ـ في ذلك ، بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم ، وأنت تعلم ما للسلف في المتشابه من الكلام.
(وَالْمَلَكُ) أى : جنس الملك ، فيشمل جميع الملائكة (صَفًّا صَفًّا) أى : مصطفين ، أو ذوى صفوف .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) أى : وأحضرت جهنم وظهرت وبرزت للكافرين والفاسقين يوم القيامة ، يوم تدك الأرض دكا.
وقوله : (يَوْمَئِذٍ) منصوب بقوله (جِيءَ). وقوله (بِجَهَنَّمَ) قائم مقام الفاعل.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها .. (٣).
(يَوْمَئِذٍ) أى : في هذا اليوم العسير ، وهو يوم القيامة ـ وهو بدل من قوله ـ تعالى ـ : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) ـ (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) أى : يتذكر ما فرط منه من ذنوب ، وما ارتكبه من سيئات ، وما وقع فيه من كفر وفسوق عن أمر ربه.
(وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) أى : ومن أين له الانتفاع بهذا التذكر ، لأنه تذكر قد جاء في غير وقت الانتفاع به ، وهو وقت الحساب على الأعمال ، لا وقت التوبة من السيئ منها.
(يَقُولُ) هذا الإنسان الشقي (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) أى : يقول حين يرى العذاب
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٥٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٢٨.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٢١.