ماثلا أمامه ، يقول ـ على سبيل التحسر والتفجع ـ : يا ليتني قدمت أعمالا صالحة لأجل حياتي هذه في الآخرة ، فاللام للتعليل ، وقدمت أعمالا صالحة في وقت حياتي في الدنيا لأنتفع بها في هذا اليوم ، فتكون اللام للتوقيت.
(فَيَوْمَئِذٍ) أى : ففي هذا اليوم لا ينفعه الندم ولا التحسر ، و (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) والوثاق : الرباط الذي يقيد به الأسير.
أى : ففي هذا اليوم لا يعذّب كعذاب الله أحد ، ولا يوثق كوثاقه أحد ، فالضمير في قوله : (عَذابَهُ) و (وَثاقَهُ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ ولفظ «أحد» فاعل.
وقرأ الكسائي : (لا يُعَذِّبُ) و (لا يُوثِقُ) ـ بفتح الذال المشددة ، وفتح الثاء ـ على البناء للمفعول ، والضمير في قوله (عَذابَهُ) و (وَثاقَهُ) يعود للكافر.
أى : فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإنسان الكافر المتحسر ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه ، ولفظ «أحد» هنا نائب فاعل.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله ـ تعالى ـ : (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) ـ أى : المائدة ـ (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه البشارة العظيمة للمؤمنين فقال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).
والنفس المطمئنة : هي النفس الآمنة من الخوف أو الحزن في يوم القيامة. بسبب إيمانها الصادق ، وعملها الصالح ، والكلام على إرادة القول. أى : يقول الله ـ تعالى ـ على لسان ملائكته ، إكراما للمؤمنين ، عند وفاتهم ، أو عند تمام حسابهم : يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ، الناعمة بروح اليقين ، الواثقة بفضل الله ـ تعالى ـ ورحمته. (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) أى : ارجعي إلى ربك الذي خلقك ، وأنت راضية تمام الرضا بما أعطاك ـ سبحانه ـ من ثواب ، ومرضى عنك منه ـ تعالى ـ بسبب إيمانك الصادق ، وعملك الصالح.
(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) أى : فادخلي في زمرة عبادي الصالحين المرضيين. (وَادْخُلِي جَنَّتِي) التي وعدتهم بها ، والتي أعددتها لنعيمهم الدائم المقيم.
وقد ذكروا أن هذه الآيات الكريمة نزلت في شأن عثمان بن عفان لمّا تصدق ببئر رومة.
وقيل : نزلت في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد.