والمعنى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك شرحا عظيما ، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس ، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإيمان والفضائل والحكم ... ما لم نعطه لأحد سواك.
ونون العظمة في قوله ـ سبحانه ـ (نَشْرَحْ) تدل على عظمة النعمة ، من جهة أن المنعم العظيم ، إنما يمنح العظيم من النعم ، وفي ذلك إشارة الى أن نعمة الشرح ، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها.
واللام في قوله ـ تعالى ـ : (لَكَ) للتعليل ، وهو يفيد أن ما فعله الله ـ تعالى ـ به ، إنما هو من باب تكريمه ، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه ، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلىاللهعليهوسلم لا إلى غيره.
قال الإمام الرازي : فإن قيل : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر ، كما قال ـ تعالى ـ : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ، فإزالة تلك الوسوسة ، وإبدالها بدواعى الخير ، هي الشرح ، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب.
قال محمد بن على الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة ، وهو الذي يقصده الشيطان ، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ، وبث فيه الهموم ، فيضيق القلب ، ولا يجد للطاعة لذة ، وإذا طرد العدو في الابتداء ، حصل الأمن ، وانشرح الصدر ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بالوضع هنا : الإزالة والحط ، لأن هذا اللفظ إذا عدى بعن كان للحط والتخفيف ، وإذا عدى بعلى كان للحمل والتثقيل.
تقول : وضعت عن فلان قيده : إذا أزلته عنه ، ووضعته عليه : إذا حملته إياه.
والوزر : الحمل الثقيل ، و (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أى : أثقله وأوهنه وأتعبه ، حتى سمع له نقيض ، وهو الصوت الخفى الذي يسمع من الرّحل الكائن فوق ظهر البعير ، إذا كان هذا الرحل ثقيلا ، ولا يكاد البعير يحمله إلا بمشقة وعسر.
والمعنى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك ، وأزلنا عنك ما أثقل ظهرك
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٤٢٨.