من أعباء الرسالة ، وعصمناك من الذنوب والآثام ، وطهرناك من الأدناس ، فصرت ـ بفضلنا وإحساننا ـ جديرا بحمل هذه الرسالة ، بتبليغها على أكمل وجه وأتمه.
فالمراد بوضع وزره عنه صلىاللهعليهوسلم مغفرة ذنوبه ، وإلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله : قوله ـ تعالى ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) بمعنى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).
وقال غير واحد من السلف في قوله : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أى : أثقلك حمله ... (١).
ويرى كثير من المفسرين أن المراد بوضع وزره عنه صلىاللهعليهوسلم : إزالة العقبات التي وضعها المشركون في طريق دعوته ، وإعانته على تبليغ الرسالة على أكمل وجه ، ورفع الحيرة التي كانت تعتريه قبل النبوة.
قال بعض العلماء : وقد ذكر جمهرة المفسرين أن المراد بالوزر في هذه الآية : الذنب ، ثم راحوا يتأولون الكلام ، ويتمحلون الأعذار ، ويختلفون في جواز ارتكاب الأنبياء للمعاصي ، وكل هذا كلام ، ولا داعي إليه ، ولا يلزم حمل الآية عليه.
والمراد ـ والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم ـ بالوزر : الحيرة التي اعترته صلىاللهعليهوسلم قبل البعثة ، حين فكر فيما عليه قومه من عبادة الأوثان. وأيقن بثاقب فكره أن للكون خالقا هو الجدير بالعبادة ، ثم تحير في الطريق الذي يسلكه لعبادة هذا الخالق ، وما زال كذلك حتى أوحى الله إليه بالرسالة فزالت حيرته. ولما دعا قومه إلى عبادة الله ، وقابلوا دعوته بالإعراض ... ثقل ذلك عليه ، وغاظه من قومه أن يكذبوه ... وكان ذلك حملا ثقيلا ... شق عليه القيام به.
فليس الوزر الذي كان ينقض ظهره ، ذنبا من الذنوب ... ولكنه كان هما نفسيا يفوق ألمه ، ألم ذلك الثقل الحسى ... فلما هداه الله ـ تعالى ـ إلى إنقاذ أمته من أوهامها الفاسدة ... كان ذلك بمثابة رفع الحمل الثقيل ، الذي كان ينوء بحمله. لا جرم كانت هذه الآية واردة على سبيل التمثيل ، واقرأ إن شئت قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٢).
ويبدو لنا أن هذا القول الثاني ، هو الأقرب إلى الصواب. لأن الكلام هنا ليس عن الذنوب التي ارتكبها النبي صلىاللهعليهوسلم قبل البعثة ـ كما يرى بعض المفسرين ـ وإنما الكلام هنا عن النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ عليه والتي من مظاهرها توفيقه للقيام بأعباء الرسالة ، وبإقناع كثير من الناس بأنه على الحق ، واستجابتهم له صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٨.
(٢) تفسير (جزء عم) ص ٢٤٢ للشيخ محيى الدين عبد الحميد ـ رحمهالله ـ.