وقوله ـ سبحانه ـ : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) بيان لنعمة ثالثة من نعمه ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم. أى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك ، وأزلنا عن قلبك الحيرة التي كانت تعتريك قبل تبليغ الرسالة وبعد تبليغها ، بأن يسرنا لك كل صعب.
وفوق ذلك فقد رفعنا لك ذكرك ، بأن جعلناك رفيع الشأن ، سامى المنزلة ، عظيم القدر ، ومن مظاهر ذلك : أننا جعلنا اسمك مقرونا باسمنا في النطق بالشهادتين.
وفي الأذان ، وفي الإقامة ، وفي التشهد ، وفي غير ذلك من العبادات ، وأننا فضلناك على جميع رسلنا ، بل على جميع الخلق على الإطلاق ، وأننا أعطيناك الشفاعة العظمى ، وجعلنا طاعتك من طاعتنا.
قال الآلوسى : أخرج أبو يعلى ، وابن جرير ... عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أتانى جبريل فقال لي : إن ربك يقول : أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت : الله ـ تعالى ـ أعلم. قال : «إذا ذكرت ذكرت معى».
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذه النعم الجليلة ، ما يدخل السرور على قلبه صلىاللهعليهوسلم وما يبعث الأمل في نفسه وفي نفوس أصحابه ، بأن بين لهم سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
والفاء للإفصاح ، ومع بمعنى بعد ، وأل في العسر لاستغراق أنواع العسر المعروفة للمخاطبين. من فقر ، وضعف ، وقلة في الوسائل التي تؤدى إلى إدراك المطلوب. والجملة الثانية مؤكدة ومقررة للجملة الأولى. والتنكير في قوله (يُسْراً) للتفخيم.
والمعنى : إذا تقرر عندك ما أخبرناك به ، من شرح الصدر ، ووضع الوزر. ورفع الذكر ... فاعلم أنه ما من عسر إلا ويعقبه يسر ، وما من شدة إلا ويأتى بعدها الفرج ، وما من غم أو هم ، إلا وينكشف ، وتحل محله المسرة ... وما دام الأمر كذلك ، فتذرع أنت وأصحابك بالصبر ، واعتصموا بالتوكل على الله ، فإن العاقبة لكم.
ففي هاتين الآيتين ما فيهما من تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأتباعه ، ومن وعد صادق بأن كل صعب يلين ، وكل شديد يهون ، وكل عسير يتيسر. متى صبر الإنسان الصبر الجميل ، وتسلح بالعزيمة القوية ، وبالإيمان العميق بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره.
وأكد ـ سبحانه ـ هاتين الآيتين ، لأن هذه القضية قد تكون موضع شك ، خصوصا بالنسبة لمن تكاثرت عليهم الهموم وألوان المتاعب ، فأراد ـ سبحانه ـ أن يؤكد للناس في كل زمان ومكان ، أن اليسر يعقب العسر لا محالة ، والفرج يأتى بعد الضيق ، فعلى المؤمن أن يقابل المصائب بصبر جميل ، وبأمل كبير في تيسير الله وفرجه ونصره.