الحديث الصحيح ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال بعد فتحها : «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فلا يعضد ـ أى : يقطع ـ شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ...».
إلا أن خلافهم في المراد بقوله ـ تعالى ـ : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) ، وقد ذكر الإمام القرطبي هذا الخلاف فقال ما ملخصه : قوله : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) : قال ابن عباس وغيره : هو تينكم الذي تأكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت. قال ـ تعالى ـ : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) وهي شجرة الزيتون.
وقال أبو ذر : أهدى للنبي صلىاللهعليهوسلم سلة تين ، فقال : «كلوا» وأكل منها. ثم قال : «لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة ، لقلت هذه ...».
وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة» ...
وهذا هو الرأى الذي تطمئن إليه النفس لأنه هو المتبادر من اللفظ وهناك أقوال أخرى رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها وتهافتها.
ثم قال الإمام القرطبي : وهذا القول هو أصح الأقوال ، لأنه الحقيقة ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل. وإنما أقسم بالتين لأنه كان ستر آدم في الجنة ، لقوله ـ تعالى ـ : (يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وكان ورق التين ، ولأنه كثير المنافع.
وأقسم بالزيتون لأنه الشجرة المباركة ، قال ـ تعالى ـ : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ...) وفيه منافع كثيرة ... (١).
وقال الإمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال في المقصود بالتين والزيتون : والصواب من القول في ذلك عندنا ، قول من قال : التين : هو التين الذي يؤكل. والزيتون : هو الزيتون الذي يعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون. إلا أن يقول قائل : المراد من الكلام القسم بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك ، دلالة في ظاهر التنزيل ... (٢).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١١١.
(٢) راجع تفسير ابن جرير ج ٣٠ ص ١٥٣.