وجملة (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) بدل من قوله (الَّذِي خَلَقَ) بدل بعض من كل ، إذ خلق الإنسان يمثل جزءا من خلق المخلوقات التي لا يعلمها إلا الله.
و «العلق» الدم الجامد ، وهو الطور الثاني من أطوار خلق الإنسان.
وقيل : العلق : مجموعة من الخلايا التي نشأت بطريقة الانقسام عن البويضة الملقحة ، وسمى «علقا» لتعلقه بجدار الرحم (١).
والمقصود من هذه الجملة الكريمة بيان مظهر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : إن من كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا يسمع ويرى ويعقل ... قادر ـ أيضا ـ على أن يجعل منك ـ أيها الرسول الكريم ـ قارئا ، وإن لم تسبق لك القراءة.
وخص ـ سبحانه ـ خلق الإنسان بالذكر ، لأنه أشرف المخلوقات ولأن فيه من بدائع الصنع والتدبير ما فيه.
وقوله ـ تعالى ـ : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أى : امض لما أمرتك به من القراءة ، فإن ربك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم من كل كريم ، والأعظم من كل عظيم.
قالوا : وإنما كرر ـ سبحانه ـ الأمر بالقراءة ، لأنه من الملكات التي لا ترسخ في النفس إلا بالتكرار والإعادة مرة فمرة.
وجملة (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) مستأنفة لقصد بيان أنه ـ تعالى ـ أكرم من كل من يلتمس منه العطاء ، وأنه ـ سبحانه ـ قادر على أن يمنح نبيه نعمة القراءة ، بعد أن كان يجهلها.
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أى : علم الإنسان الكتابة بالقلم ، ولم يكن له علم بها ، فاستطاع عن طريقها أن يتفاهم مع غيره ، وأن يضبط العلوم والمعارف ، وأن يعرف أخبار الماضين وأحوالهم ، وأن يتخاطب بها مع الذين بينه وبينهم المسافات الطويلة.
ومفعولا «علّم» محذوفان ، دل عليهما قوله (بِالْقَلَمِ) أى : علم ناسا الكتابة بالقلم.
وتخصيص هذه الصفة بالذكر ، للإيماء إلى إزالة ما قد يخطر بباله صلىاللهعليهوسلم من تعذر القراءة بالنسبة له ، لجهله بالكتابة ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول له : إن من علم غيرك القراءة والكتابة بالقلم ، قادر على تعليمك القراءة وأنت لا تعرف الكتابة ، ليكون ذلك من معجزاتك الدالة على صدقك ، وكفاك بالعلم في الأمى معجزة.
وجملة (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) خبر عن قوله ـ تعالى ـ : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) وما بينهما اعتراض ، ويصح أن تكون بدل اشتمال مما قبلها وهو قوله (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أى :
__________________
(١) راجع كتاب «بحوث في تفسير القرآن» (سورة العلق) لجمال عياد.