علم الإنسان بالقلم وبدونه ما لم يكن يعلمه من الأمور على اختلافها ، والمراد بالإنسان في هذه الآيات جنسه.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يراها قد جمعت أصول الصفات الإلهية ، كالوجود ، والوحدانية ، والقدرة والعلم ، والكرم.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات : فأول شيء من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات ، وهو أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم ، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كرمه ـ تعالى ـ أن علم الإنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة ... (١).
وقال المرحوم الشيخ محمد عبده : ثم إنه لا يوجد بيان أبرع ولا دليل أقطع على فضل القراءة والكتابة والعلم بجميع أنواعه ، من افتتاح الله كتابه وابتدائه الوحى ، بهذه الآيات الباهرات ، فإن لم يهتد المسلمون بهذا الهدى ، ولم ينبههم النظر فيه إلى النهوض ، وإلى تمزيق تلك الحجب التي حجبت عن أبصارهم نور العلم ... وإن لم يسترشدوا بفاتحة هذا الكتاب المبين ، ولم يستضيئوا بهذا الضياء الساطع ... فلا أرشدهم الله ... (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الأسباب التي تحمل الإنسان على الطغيان فقال : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
و «كلا» حرف ردع وزجر لمن تكبر وتمرد ... فهو زجر عما تضمنه ما بعدها ، لأن ما قبلها ليس فيه ما يوجب الزجر والردع ، ويصح أن تكون «كلا» هنا بمعنى حقا. وقوله : (لَيَطْغى) من الطغيان ، وهو تجاوز الحق في التكبر والتمرد. والضمير في قوله (رَآهُ) يعود على الإنسان الطاغي ، والجملة متعلقة بقوله (لَيَطْغى) بحذف لام التعليل ، والرؤية بمعنى العلم.
والمعنى : حقا إن الإنسان ليتعاظم ويتكبر ويتمرد على الحق ، لأنه رأى نفسه ذا غنى في المال والجاه والعشيرة ، ورآها ـ لغروره وبطره ـ ليست في حاجة إلى غيره.
والمراد بالإنسان هنا : جنسه ؛ لأن من طبع الإنسان أن يطغى ، إذا ما كثرت النعم بين يديه ، إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ من هذا الخلق الذميم ، بأن شكره ـ سبحانه ـ على نعمه ، واستعملها في طاعته.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٩.
(٢) راجع تفسير جزء عم ص ٩٤.