وقيل المراد بالإنسان هنا : أبو جهل ، وأن هذه الآيات وما بعدها حتى آخر السورة قد نزلت في أبى جهل ، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة ، لأطأن على عنقه ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «لئن فعل لأخذته الملائكة» .. (١). ونزول هذه الآيات في شأن أبى جهل لا يمنع عموم حكمها ، ويدخل في هذا الحكم دخولا أوليا أبو جهل ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) تهديد ووعيد لهذا الطاغي ، والرّجعى : مصدر بمعنى الرجوع. تقول : رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعي بمعنى واحد.
والمعنى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ مما تفوه به هذا الطاغي وأمثاله ، فإن إلى ربك وحده مرجعهم ، وسيشاهدون بأعينهم ما أعددناه لهم من عذاب مهين ، وسيعلمون حق العلم أن ما يتعاظمون به من مال ، لن يغنى عنهم من عذاب الله شيئا يوم القيامة.
ثم عجّب ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم من حال هذا الشقي وأمثاله ، فقال : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى. عَبْداً إِذا صَلَّى). فالاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَرَأَيْتَ ...) للتعجيب من جهالة هذا الطاغي ، وانطماس بصيرته ، حيث نهى عن الخير ، وأمر بالشر ، والمراد بالعبد : رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتنكيره للتفخيم والتعظيم.
أى : أرأيت وعلمت ـ أيها الرسول الكريم ـ حالا أعجب وأشنع من حال هذا الطاغي الأحمق ، الذي ينهاك عن إقامة العبادة لربك الذي خلقك وخلقه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) خطاب آخر للنبي صلىاللهعليهوسلم أى : أرأيت ـ أيها الرسول الكريم ـ إن صار هذا الإنسان ـ الطاغي الكافر ـ على الهدى ، فاتبع الحق ، ودعا إلى البر والتقوى ... أما كان ذلك خيرا له من الإصرار على الكفر ، ومن نهيه إياك عن الصلاة ، فجواب الشرط محذوف للعلم به.
فالمراد بالهدى : اهتداؤه إلى الصراط المستقيم ، والمراد بالتقوى : صيانة نفسه عن كل ما يغضب الله ـ تعالى ـ ، وأمره غيره بذلك.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ص ٧ ص ٤٦٠.