ـ تعالى ـ علام الغيوب.
ثم ـ بين ـ سبحانه ـ مظاهر فضلها فقال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أى : ليلة القدر أفضل من ألف شهر ، بسبب ما أنزل فيها من قرآن كريم يهدى للتي هي أقوم. ويخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وبسبب أن العبادة فيها أكثر ثوابا ، وأعظم فضلا من العبادة في أشهر كثيرة ليس فيها ليلة القدر.
والعمل القليل قد يفضل العمل الكثير ، باعتبار الزمان والمكان ، وإخلاص النية ، وحسن الأداء ، ولله ـ تعالى ـ أن يخص بعض الأزمنة والأمكنة والأشخاص بفضائل متميزة.
والتحديد بألف شهر يمكن أن يكون مقصودا. ويمكن أن يراد منه التكثير. وأن المراد أن أقل عدد تفضله هذه الليلة هو هذا العدد. فيكون المعنى : أن هذه الليلة تفضل الدهر كله.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك مزية أخرى لهذه الليلة المباركة فقال : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ).
أى : ومن مزايا وفضائل هذه الليلة أيضا ، أن الملائكة ـ وعلى رأسهم الروح الأمين جبريل ـ ينزلون فيها أفواجا إلى الأرض ، بأمره ـ تعالى ـ وإذنه ، وهم جميعا إنما ينزلون من أجل أمر من الأمور التي يريد إبلاغها إلى عباده ، وأصل «تنزل» تتنزل ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا ، ونزول الملائكة إلى الأرض ، من أجل نشر البركات التي تحفهم ، فنزولهم في تلك الليلة يدل على شرفها ، وعلى رحمة الله ـ تعالى ـ بعباده.
والروح : هو جبريل ، وذكره بخصوصه بعد ذكر الملائكة ، من باب ذكر الخاص بعد العام ، لمزيد الفضل ، واختصاصه بأمور لا يشاركه فيها غيره.
وقوله ـ سبحانه ـ (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) متعلق بقوله : (تَنَزَّلُ) ، والباء للسببية ، أى : يتنزلون بسبب إذن ربهم لهم في النزول.
قال الجمل ما ملخصه. وقوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) يجوز في «من» وجهان : أحدهما أنها بمعنى اللام ، وتتعلق بتنزل ، أى : تنزل من أجل كل أمر قضى إلى العام القابل. والثاني : أنها بمعنى الباء ، أى : تنزل بكل أمر قضاه الله ـ تعالى ـ فيها من موت وحياة ورزق.
وليس المراد أن تقدير الله لا يحدث إلا في تلك الليلة بل المراد إظهار تلك المقادير لملائكته. (١)
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٦٧.