وقوله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) بيان لمزية ثالثة من مزايا هذه الليلة ، وقوله (سَلامٌ) مصدر بمعنى السلامة ، وهو خبر مقدم ، و (هِيَ) مبتدأ مؤخر ، وإنما قدم الخبر تعجيلا للمسرّة ، وقد أخبر عن هذه الليلة بالمصدر على سبيل المبالغة ، أو على سبيل تأويل المصدر باسم الفاعل ، أو على تقدير مضاف ... والمراد بمطلع الفجر : طلوعه وبزوغه.
أى : هذه الليلة يظلها ويشملها السلام المستمر ، والأمان الدائم ، لكل مؤمن يحييها في طاعة الله ـ تعالى ـ إلى أن يطلع الفجر ، أو هي ذات سلامة حتى مطلع الفجر ، أو هي سالمة من كل أذى وسوء لكل مؤمن ومؤمنة حتى طلوع الفجر.
هذا وقد أفاض العلماء في الحديث عن فضائل ليلة القدر ، وعن وقتها. وعن خصائصها ... وقد لخص الإمام القرطبي ذلك تلخيصا حسنا فقال : وهنا ثلاث مسائل :
الأولى : في تعيين ليلة القدر ... والذي عليه المعظم أنها ليلة سبع وعشرين ... والجمهور على أنها في كل عام من رمضان ... وقيل : أخفاها ـ سبحانه ـ في جميع شهر رمضان ، ليجتهدوا في العمل والعبادة طمعا في إدراكها.
الثانية : في علاماتها : ومنها أن تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها.
الثالثة : في فضائلها ... وحسبك قوله ـ تعالى ـ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) وفي الصحيحين «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ...» (١).
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من المنتفعين بهذه الليلة المباركة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٣٤.