ولفظ «البرية» من البرى وهو التراب ، لأنهم قد خلقوا في الأصل منه ، يقال : فلان براه الله ـ تعالى ـ يبروه بروا. أى : خلقه. وقرأ نافع بالهمز ، من قولهم برأ الله ـ تعالى ـ الخلق يبرؤهم ، أى : خلقهم.
وقدم سبحانه ـ أهل الكتاب في المذمة ، لأن جنايتهم في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم أشد ، إذ كانوا يستفتحون به على المشركين ويقولون لهم : إن نبيا قد أظلنا زمانه ، وإننا عند مبعثه سنتبعه ... فلما بعث صلىاللهعليهوسلم كفروا به.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين : الأول : أن هؤلاء الضالين خالدون في النار ، والثاني : أنهم شر المخلوقات التي خلقها الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك حسن عاقبة المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). أى : وعملوا الأعمال الصالحات (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أى : أولئك هم خير المخلوقات التي خلقها الله ـ تعالى ـ.
(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أى : جزاؤهم الطيب الكائن لهم عند ربهم وخالقهم ومالك أمرهم.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ). أى : جنات يقيمون فيها إقامة دائمة ، من عدن فلان بالمكان إذا أقام فيه. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أى : تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : خالدين في تلك الجنات خلودا أبديا.
(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أى : قبل الله ـ تعالى ـ منهم أعمالهم ورضيها عنده ، وفرحوا هم ورضوا بما أعطاهم من خير عميم.
فالمراد برضاء ـ تعالى ـ عنهم : قبوله لأعمالهم ، وبرضاهم عنه : فرحهم بما أعطاهم من فضله. (ذلِكَ) أى : العطاء الجزيل (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) أى : كائن وثابت لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا جميعا من أصحاب الميمنة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.