كتاب ، أشد قبحا ونكرا ، ممن ليس له كتاب وهم المشركون.
والاستثناء في الآية مفرغ ، والمستثنى منه عموم الأوقات. والمعنى : لم يتفرق الجاحدون من الذين أوتوا الكتاب في وقت من الأوقات ، إلا في الوقت الكائن بعد مجيء البينة لهم.
ومن الآيات القرآنية الكثيرة التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان يجب عليهم أن يفعلوه ، فقال : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ، وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
والواو في قوله ـ تعالى ـ (وَما أُمِرُوا) للحال ، فهذه الجملة حالية ، والمقصود منها بيان أن هؤلاء الضالين ، قد بلغوا النهاية في قبح الأفعال ، وفي فساد العقول ، إذ أنهم تفرقوا واختلفوا وأعرضوا عن الهدى ، في حال أنهم لم يؤمروا إلا بما فيه صلاحهم.
وقوله : (حُنَفاءَ) من الحنف ، وهو الميل من الدين الباطل إلى الدين الحق. كما أن الجنف هو الميل من الحق إلى الباطل.
أى : أن هؤلاء الكافرين من أهل الكتاب تفرقوا واختلفوا في شأن الحق ، والحال ، أنهم لم يؤمروا إلا بعبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، مخلصين له الطاعة ، ومائلين عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق ، مؤمنين بجميع الرسل بدون تفرقة بينهم ، إذ ملتهم جميعا واحدة ، ولم يؤمروا ـ أيضا ـ إلا بإقامة الصلاة في أوقاتها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين ، وبإيتاء الزكاة التي تطهرهم وتزكيهم.
(وَذلِكَ) الذي أمرناهم به من إخلاص العبادة لنا ، ومن أداء فرائضنا (دِينُ الْقَيِّمَةِ). أى : دين الملة المستقيمة القيمة ، أو دين الكتب القيمة.
ولفظ «القيمة» ـ بزنة فيعلة ـ من القوامة ، وهي غاية الاستقامة ، وهذا اللفظ صفة لموصوف محذوف.
ثم ـ بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة هؤلاء الجاحدين من أهل الكتاب ومن المشركين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها).
أى : إن الذين أصروا على كفرهم بعد أن تبين لهم ، من اليهود والنصارى ، ومن المشركين الذين هم عبدة الأصنام ... مكانهم المهيأ لهم هو نار جهنم ، حالة كونهم خالدين فيها خلودا أبديا (أُولئِكَ) الموصوفون بتلك الصفات الذميمة (هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أى : هم شر كل صنف من أصناف المخلوقات ، لإصرارهم على الكفر والإشراك مع علمهم بالحق.