وهناك أقوال أخرى في معنى الآية رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها.
وقد قدم الله ـ تعالى ـ ذكر أهل الكتاب في البيان ، لأن كفرهم أشنع وأقبح. إذ كانوا يقرءون الكتب ، ويعرفون أوصاف النبي صلىاللهعليهوسلم فكانت قدرتهم على معرفة صدقه أكبر وأتم. وفي التعبير عنهم بأهل الكتاب دون اليهود والنصارى ، تسجيل للغفلة وسوء النية عليهم. حيث علموا الكتاب. وعرفوا عن طريقه أن هناك رسولا كريما قد أرسله الله ـ تعالى ـ لهدايتهم ، ومع ذلك كفروا به ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) بدل من «البيّنة» على سبيل المبالغة ، حيث جعل ـ سبحانه ـ الرسول نفس البينة.
أى : لم يفارقوا دينهم حتى جاءهم رسول كريم ، كائن من عند الله ـ تعالى ـ لكي يقرأ على مسامعهم صحفا من القرآن الكريم ، مطهرة ، أى : منزهة عن الشرك والكفر والباطل ، وهذه الصحف من صفاتها ـ أيضا ـ أنها (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أى : فيها سور آيات قرآنية مستقيمة لا عوج فيها ، بل هي ناطقة بالحق والخير والصدق والهداية ، وبأخبار الأنبياء السابقين وبأحوالهم مع أقوامهم.
فقوله : (قَيِّمَةٌ) بمعنى مستقيمة لا عوج فيها ولا اضطراب ، من قولهم : قام فلان يقوم ، إذا استوى على قدميه في استقامة.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان عليه أهل الكتاب من جحودهم للحق ، ومن إنكارهم له مع علمهم به ، فقال ـ تعالى ـ (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ). أى : أن الجاحدين والمعاندين والحاسدين لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أهل الكتاب ، ما تفرقوا في أمره ، وما اختلفوا في شأن نبوتك ... إلا من بعد أن جئتهم أنت بما يدل على صدقك ، دلالة لا يجحدها إلا جهول ، ولا ينكرها إلا حسود ، ولا يعرض عنها إلا من طغى وآثر الحياة الدنيا.
فالآية الكريمة كلام مستأنف ، المقصود به تسليته صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من هؤلاء الجاحدين فكأنه ـ سبحانه ـ يقول له : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لإعراض من أعرض عن دعوتك من أهل الكتاب ، فإن إعراضهم لم يكن عن جهل ، وإنما عن عناد وجحود وحسد لك على ما آتاك الله من فضله.
وإنما خص ـ سبحانه ـ هنا أهل الكتاب بالذكر ، مع أن الكلام في أول السورة كان فيهم وفي المشركين ، للدلالة على شناعة حالهم ، وقبح فعالهم ، لأن الإعراض عن الحق ممن له