وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ).
والمراد بها هنا : ما يكون في جوف الأرض من أموات وكنوز وغير ذلك مما يكون في باطنها. قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في جوف الأرض فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها ، وإنما سمى الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم ... (١).
والمراد بالإنسان في قوله ـ سبحانه ـ : (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) جنسه فيشمل المؤمن والكافر.
وقوله (ما لَها) مبتدأ وخبر ، والاستفهام : المقصود به التعجب مما حدث من أهوال.
أى : وقال كل إنسان على سبيل الدهشة والحيرة ، أى : شيء حدث للأرض ، حتى جعلها تضطرب هذا الاضطراب الشديد.
قال الجمل : وفي المراد بالإنسان هنا قولان : أحدهما : أنه اسم جنس يعم المؤمن والكافر ، وهذا يدل على قول من جعل الزلزلة من أشراط الساعة ، والمعنى : أنها حين تقع لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة ، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك. والثاني : أنه الكافر خاصة ، وهذا يدل على قول من جعلها زلزلة القيامة ، لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها ، والكافر جاحد لها ، فإذا وقعت سأل عنها ... (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) جواب الشرط ، و «أخبارها» مفعول ثان لقوله : (تُحَدِّثُ) والمفعول الأول محذوف. أى : إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ماذا حدث لها ... عندئذ تحدّث الأرض الخلائق أخبارها ، بأن تشهد للطائع بأنه كان كذلك ، وتشهد على الفاسق بأنه كان كذلك.
أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبى هريرة قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ثم قال : «أتدرون ما أخبارها»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، بأن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. فهذه أخبارها.» (٣).
والظاهر أن هذا التحديث من الأرض على سبيل الحقيقة ، بأن يخلق الله ـ تعالى ـ فيها حياة وإدراكا ، فتشهد بما عمل عليها من عمل صالح أو طالح ، كما تشهد على من فعل ذلك.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٤٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٧٣.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٨١.