وقيل : هذا مثل ضربه الله ـ تعالى ـ والمقصود منه أن كل إنسان في هذا اليوم سيتبين جزاء عمله ، وما أعده الله ـ تعالى ـ له على ما قدم في حياته الأولى ، ونظير ذلك أن تقول : إن هذه الدار لتحدثنا بأنها كانت مسكونة.
قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) يومئذ بدل من إذا. أى : في ذلك الوقت تحدثك الأرض أحاديثها ، وتحديث الأرض تمثيل ـ كما قال الطبري وغيره ـ أى : أن حالها وما يقع فيها من الانقلاب ، وما لم يعهد من الخراب ، يعلم السائل ويفهمه الخبر ، وأن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التي وضعتها السنة الإلهية ، حال استقرار نظام الكون ، بل ذلك بسبب (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أى : أن ما يحدث للأرض يومئذ ، إنما هو بأمر إلهى خاص. بأن قال لها كوني كذلك فكانت كما قال لها (١).
وعدى فعل «أوحى» باللام ـ مع أن حقه أن يتعدى بإلى كما في قوله ـ تعالى ـ (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) لتضمينه معنى «قال» كما في قوله ـ سبحانه ـ (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).
والمعنى : إن الأرض تحدث الناس عن أخبارها ، وتبينها لهم ، وتشهد عليهم .... بسبب أن ربك الذي خلقك فسواك فعدلك ـ أيها الإنسان ـ قد أمرها بذلك.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أحوال الناس في هذا اليوم فقال : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ).
والجملة الكريمة بدل من جملة «يومئذ تحدث أخبارها» ، وقوله (يَصْدُرُ) فعل مضارع من الصدر ـ بفتح الدال ـ وهو الرجوع عن الشرب ، يقال : صدر الناس عن الورد ، إذا انصرفوا عنه. و (أَشْتاتاً) جمع شتيت ، أى : متفرق ، ومنه قولهم : شتت الله جمع الأعداء ، أى فرق أمرهم.
وقوله ـ تعالى ـ (لِيُرَوْا) فعل مضارع مبنى للمجهول ، وماضيه المبنى للمعلوم «أراه» بمعنى أطلعه. أى : في هذا اليوم الذي تتزلزل فيه الأرض زلزلة شديدة ... يخرج الناس من قبورهم متجهين أشتاتا إلى موقف الحساب ، وكل واحد منهم مشغول بنفسه ، لكي يبصروا جزاء أعمالهم ، التي عملوها في دنياهم.
وجاء فعل «ليروا» مبنيا للمجهول ، لأن المقصود رؤيتهم لأعمالهم ، وليس المقصود تعيين
__________________
(١) تفسير جزء عم ص ١٠٦ للشيخ محمد عبده.