يؤذيه. و (صُبْحاً) منصوب على الظرفية. وقوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) أى : هيجن وأثرن «النقع» أى : الغبار من شدة الجري. تقول : أثرت الغبار أثيره ، إذا هيجته وحركته. والنون في «أثرن» ضمير العاديات.
وقوله : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أى : فتوسطن في ذلك الوقت جموع الأعداء ، ففرقنها ، ومزقنها ، تقول : وسطت القوم أسطهم وسطا ، إذا صرت في وسطهم.
والمراد بالعاديات ، والموريات ، والمغيرات : خيل المجاهدين في سبيل الله ، والكلام على حذف الموصوف. والمعنى : وحق الخيل التي يعتلى صهواتها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله ـ تعالى ـ. والتي تجرى بهم في ساحات القتال ، فيسمع صوت أنفاسها ، والتي تظهر شرر النار من أثر صك حوافرها بالحجارة وما يشبهها والتي تغير على العدو في وقت الصباح ، فتثير الغبار ، وتمزق جموع الأعداء.
وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات ... (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).
وقد أقسم ـ سبحانه ـ بالخيل المستعملة للجهاد في سبيله ، للتنبيه على فضلها ، وفضل ربطها ، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية ، ولما يترتب على استعمالها في تلك الأغراض من أجر وغنيمة ، ومن ترويع لجموع المشركين ، وتمزيق لصفوفهم.
وأسند ـ سبحانه ـ الإغارة إليها ـ مع أنها في الحقيقة لراكبيها ـ ، لأن الخيول هي عدة الإغارة ، وهي على رأس الوسائل لبلوغ النصر على الأعداء.
وقيل : المراد بالعاديات : الإبل ، إلا أن الأوصاف المذكورة في الآيات الكريمة من الضبح والإغارة ... تؤيد أن المراد بها الخيل.
قال صاحب الكشاف : أقسم ـ سبحانه ـ بخيل الغزاة تعدو فتضبح. والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون.
فإن قلت : علام عطف «فأثرن»؟ قلت : على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ، وهو قوله (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) وذلك لصحة عطف الفعل على الاسم الذي يشبه الفعل كاسم الفاعل ـ لأن المعنى : واللائي عدون ، فأورين ، فأغرن. فأثرن الغبار. (١).
والتعبير بالفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَثَرْنَ فَوَسَطْنَ). وبالفعل الماضي ، للإشارة إلى أن إثارة الغبار ، وتمزيق صفوف الأعداء ، قد تحقق بسرعة ، وأن الظفر بالمطلوب قد تم على أحسن الوجوه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٨٧.