وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) جواب القسم. والكنود : الجحود ، يقال : فلان كند النعمة ـ من باب دخل ـ ، إذا جحدها ولم يشكر الله عليها. وكند الحبل : أى قطعه ، وأصل الكنود : الأرض التي لا تنبت شيئا ، فشبه بها الإنسان الذي يمنع الحق والخير ، ويجحد ما عليه من حقوق وواجبات.
أى : إن في طبع الإنسان ـ إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ الكنود لربه والكفران لنعمته ، والنسيان لمننه وإحسانه ، والغفلة عن المواظبة على شكره ـ تعالى ـ ، والتضرع إليه ـ سبحانه ـ عند الشدائد والضراء .. والتشاغل عن ذلك عند العافية والرخاء.
فالمراد بالإنسان هنا : جنسه ، إذ أن هذه الصفة غالبة على طبع الإنسان بنسب متفاوتة ، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ.
وقيل : المراد بالإنسان هنا : الكافر ، وأن المقصود به ، الوليد بن المغيرة.
والأولى أن يكون المراد به الجنس ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أى : وإن الإنسان على كنوده وجحوده لنعم ربه «لشهيد» أى : لشاهد على نفسه بذلك ، لظهور أثر هذه الصفة عليه ظهروا واضحا ، إذ هو عند لجاجه في الطغيان يجحد الجلى من النعم ، ويعبد من دون خالقه أصناما ، مع أنه إذا سئل عن خالقه اعترف وأقر بأن خالقه هو الله ـ تعالى ـ ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
قال الإمام الشيخ محمد عبده : قوله : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أى : وإن الإنسان لشهيد على كنوده ، وكفره لنعمة ربه ، لأنه يفخر بالقسوة على من دونه ، وبقوة الحيلة على من فوقه ، وبكثرة ما في يده من المال مع الحذق في تحصيله ، وقلما يفتخر بالمرحمة ، وبكثرة البذل ـ اللهم إلا أن يريد غشا للسامع ـ وفي ذلك كله شهادة على نفسه بالكنود ، لأن ما يفتخر به ليس من حق شكر النعمة ، بل من آيات كفرها (١).
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله ـ تعالى ـ هنا (وَإِنَّهُ) يعود على الخالق ـ سبحانه ـ أى : وإن الله ـ تعالى ـ لعليم ولشهيد على ما يسلكه هذا الإنسان من جحود ، فيكون المقصود من الآية الكريمة ، التهديد والوعيد.
قالوا : والأول أولى ، لأنه هو الذي يتسق مع سياق الآيات ، ومع اتحاد الضمائر فيها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أى : وإن هذا الإنسان لشديد الحب
__________________
(١) تفسير جزء عم ص ١٠٩.