لجمع المال ، ولكسبه من مختلف الوجوه بدون تفرقة ـ في كثير من الأحيان ـ بين الحلال والحرام ، ولكنزه والتكثر منه ، وبالبخل به على من يستحقه.
وصدق الله إذ يقول : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ، إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ ، وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ. وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) تهديد لهذا الإنسان الكنود ... وتحريض له على التفكر والاعتبار ، وتذكير له بأهوال يوم القيامة.
أى : أيفعل ما يفعل هذا الإنسان الجحود لنعم ربه .. فلا يعلم مآله وعاقبته (إِذا بُعْثِرَ). أى : إذا أثير وأخرج وقلب رأسا على عقب (ما فِي الْقُبُورِ) من أموات حيث أعاد ـ سبحانه ـ إليهم الحياة ، وبعثهم للحساب والجزاء ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أى : أثيرت وأخرج ما فيها. يقال : بعثر فلان متاعه ، إذا جعل أسفله أعلاه.
(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أى : وجمع ما في القلوب من خير وشر وأظهر ما كانت تخفيه ، وأبرز ما كان مستورا فيها ، بحيث لا يبقى لها سبيل إلى الإخفاء أو الكتمان.
وأصل التحصيل : إخراج اللب من القشر ، والمراد به هنا : إظهار وإبراز ما كانت تخفيه الصدور ، والمجازاة على ذلك. ومفعول (يَعْلَمُ) محذوف ، لتذهب النفس فيه كل مذهب ويجول الفكر في استحضاره وتقديره.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) جملة مستأنفة لزيادة التهديد والوعيد.
أى : إن رب المبعوثين للحساب والجزاء ، لعليم علما تاما بأحوالهم الظاهرة والباطنة ، في ذلك اليوم الهائل الشديد الذي يبعث فيه الناس من قبورهم ، وسيجازى ـ سبحانه ـ الذين أساؤوا بما عملوا ، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من أهل طاعته ومثوبته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ١٠٠.