و «القارعة» : مبتدأ ، و «ما» : مبتدأ ثان ، و «القارعة» : خبر المبتدأ الثاني ، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) معطوف على جملة «ما القارعة» والخطاب في قوله (وَما أَدْراكَ) لكل من يصلح له.
أى : وما أدراك ـ أيها المخاطب ـ ما كنهها في الشدة؟ إنها في الشدة والهول شيء عظيم. لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ.
فالمقصود من الآيات الكريمة : تعظيم شأنها ، والتعجيب من حالها ، وأنها تختلف عن قوارع الدنيا ـ مهما بلغ عظمها ـ اختلافا كبيرا.
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أن معرفة حقيقتها أمر عسير ... أتبع ذلك ببيان أحوال الناس وقت وقوعها فقال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ).
و «يوم» منصوب بفعل مقدر. والفراش : هو الحشرة التي تتهافت نحو النار ، وسمى بذلك لأنه يتفرش وينتشر من حولها.
والمبثوث : المنتشر المتفرق. تقول : بثثت الشيء ، إذا فرقته ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) أى : متناثرة متفرقة.
أى : تحصل القارعة يوم يكون الناس في انتشارهم وكثرتهم واضطرابهم وإقبالهم نحو الداعي لهم نحو أرض المحشر ... كالحشرات الصغيرة المتهافتة نحو النار.
فأنت ترى أنه ـ سبحانه ـ قد شبه الناس في هذا الوقت العصيب ، بالفراش المتفرق المنتشر في كل اتجاه ، وذلك لأن الناس في هذا اليوم يكونون في فزع ، يجعل كل واحد منهم مشغولا بنفسه ، وفي حالة شديدة من الخوف والاضطراب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) بيان لحالة أخرى من الأحوال التي يكون عليها هذا الكون يوم القيامة.
والعهن : الصوف ذو الألوان المتعددة ، والمنفوش : المفرق بعضه عن بعض.
أى : وتكون الجبال في ذلك اليوم ، كالصوف الذي ينفش ويفرق باليد ونحوها. لخفته وتناثر أجزائه ، حتى يسهل غزله.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يراها قد اشتملت على أقوى الأساليب وأبلغها ، في التحذير من أهوال يوم القيامة ، وفي الحض على الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح.
لأنها قد ابتدأت بلفظ القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، ثم ثنت بالاستفهام المستعمل في