وقد روى أن أعرابيا عند ما سمع هذه الآية قال : بعثوا ورب الكعبة ، فقيل له كيف ذلك؟ فقال : لأن الزائر لا بد أن يرتحل.
وقد نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن التهالك على حطام الدنيا ، في أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن الشّخّير قال : انتهيت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : «ألهاكم التكاثر قال : يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت».
وقوله ـ تعالى ـ : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ردع وزجر عن الانشغال عن طاعة الله ، وعن التكاثر بالأموال والأولاد.
وكرر لفظ «كلا» ثلاث مرات في هذه السورة ، لتأكيد هذا الزجر والردع عن كل ما يشغل الإنسان عن وجوه الخير والبر.
والتعبير بقوله : (سَوْفَ) لزيادة الزجر ، ولتحقيق حصول العلم ، وحذف مفعول (تَعْلَمُونَ) لظهوره من المقام. أى : اتركوا التشاغل بالدنيا والتفاخر بالأموال ، فإنكم إن بقيتم على ذلك بدون توبة صادقة ، فسوف تعرفون سوء عاقبة ذلك معرفة لا يخامرها شك ، ولا يفارقها ريب.
وجملة (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) مؤكدة تأكيدا لفظيا للجملة التي قبلها ، وهذا التأكيد المقصود منه المبالغة في الردع والزجر والتحذير من التكاثر والتفاخر ...
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى كل ما سبق من تحذيرات ، زواجر أخرى فقال : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) ...
وجواب «لو» محذوف لقصد التهويل ، و «اليقين» فعيل بمعنى مفعول ، وعلم اليقين هو العلم الجازم المطابق للواقع الذي لا شك فيه. والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أو من إضافة العام الى الخاص.
أى : لو تعلمون ـ علما موثوقا به ـ سوء عاقبة انشغالكم عن ذكر الله ـ تعالى ـ وتكاثركم وتفاخركم بالأموال والأولاد ... لشغلكم هذا العلم اليقيني عما أنتم عليه من التشاغل والتكاثر.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة : الزيادة في ردعهم ، لأنه من عادة الغافلين المكابرين. أنك إذا ذكرتهم بالحق وبالرشاد ... زعموا أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا الإرشاد ، لأنهم أهل علم ومعرفة بالعواقب ، فكانت هذه الآية الكريمة بمثابة تنبيههم بأنهم ليسوا على شيء من العلم