أى : عذاب شديد ، وخزي عظيم ، لكل من يطعن في أعراض الناس ، ويغض من شأنهم ، ويحقر أعمالهم وصفاتهم ، وينسب إليهم ما هم برآء منه من عيوب.
والتعبير بقوله : (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) يدل على أن تلك الصفات القبيحة ، كانت عادة متأصلة فيهم ، لأن اللفظ الذي بزنة فعلة ـ بضم الفاء وفتح العين ـ يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ديدنه ودأبه الإتيان بهذا الوصف ، ومنه قولهم : فلان ضحكة : إذا كان يكثر من الضحك.
كما أن لفظ «فعلة» ـ بضم الفاء وسكون العين ـ يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ، يكثر أن يفعل به ذلك ، ومنه قولهم : فلان ضحكة ، إذا كان الناس يكثرون الضحك منه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) زيادة تشنيع وتقبيح للهمزة اللمزة ...
ومعنى «عدده» : جعله عدته وذخيرته ، وأكثر من عده وإحصائه لحرصه عليه ، والجملة الكريمة في محل نصب على الذم.
أى : عذاب وهلاك لكل إنسان مكثر من الطعن في أعراض الناس ، ومن صفاته الذميمة أنه فعل ذلك بسبب أنه جمع مالا كثيرا ، وأنفق الأوقات الطويلة في عده مرة بعد أخرى ، حبا له وشغفا به وتوهما منه أن هذا المال الكثير هو مناط التفاضل بين الناس.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (جَمَعَ) ـ بتشديد الميم ـ وهو مبالغة في (جَمَعَ) بتخفيف الميم.
وقوله ـ تعالى ـ : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) ، صفة أخرى من صفاته القبيحة ، والجملة يصح أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا ، جوابا لسؤال مقدر ، كأنه قيل : ما باله يجمع المال ويهتم به؟ فكان الجواب : يحسب أن ماله أخلده.
ويصح أن تكون حالا من فاعل «جمع» أى : هذا الجاهل المغرور جمع المال وعدده ، حالة كونه يظن أن ماله يخلده في الدنيا ، ويجعله في مأمن من حوادث الدهر.
قال الأستاذ الإمام محمد عبده : أى أن الذي يحمل هذا الهمزة اللمزة على الحط من أقدار الناس ، هو جمعه المال وتعديده ... فكلما نظر إلى كثرة ما عنده منه ، انتفخ وظن أنه من رفعة المكانة ، بحيث يكون كل ذي فضل ومزية دونه ... ويظن أن ما عنده من المال ، قد حفظ له حياته التي هو فيها ، وأرصدها عليه ، فهو لا يفارقها إلى حياة أخرى ، يعاقب فيها على ما كسب من سيئ الأعمال ... (١).
__________________
(١) تفسير جزء عم ص ١١٧.