ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك سوء عاقبة هذا الجاهل المغرور فقال : (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ، وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ).
و «كلا» حرف زجر وردع ، والمراد به هنا إبطال ما توهمه هذا المغرور من حسبانه أن ماله سيخلده. والنبذ : الطرح للشيء والإلقاء به مع التحقير والتصغير من شأنه.
والحطمة من الحطم ، وهو كسر الشيء بشدة وقوة ، ويقال : رجل حطمة ، إذا كان شديدا في تحطيمه وكسره لغيره ، والمراد بالحطمة هنا : النار الشديدة الاشتعال : التي لا تبقى على شيء إلا وأحرقته.
أى : كلا ليس الأمر كما زعم هذا الهمزة اللمزة ، من أن ماله سيخلده ، بل الحق أنه والله ليطرحن بسبب أفعاله القبيحة في النار التي تحطم كل شيء يلقى فيها ، والتي لا يعرف مقدار شدتها واشتعالها إلا الله ـ تعالى ـ.
فالمقصود بالاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تهويل أمر هذه النار ، وتفظيع شأنها ، وبيان أن كنهها لا تدركه عقول البشر ...
وقوله ـ سبحانه ـ : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) بيان للحطمة وتفصيل لأمرها بعد إبهامها.
أى : الحطمة هي نار الله ـ تعالى ـ الشديدة الإحراق ، وأضيفت إلى الله ـ تعالى ـ لزيادة الترويع والتخويف منها ، لأن خالقها ـ عزوجل ـ هو الذي لا يعجزه شيء.
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) صفة أخرى من صفات هذه النار ، وقوله : (تَطَّلِعُ) من الاطلاع ، بمعنى الوصول إلى الشيء بسرعة ، والكشف عن خباياه ، والنفاذ إلى منتهاه.
أى : سيلقى بهذا الشقي في نار الله ـ تعالى ـ الموقدة ، التي تصل إلى أعماق الأفئدة والقلوب ، فتحيط بها ، وتنفذ إليها ، فتحرقها إحراقا تاما.
وخصت الأفئدة التي هي القلوب بالذكر ، لأنها ألطف ما في الأبدان وأشدها تألما بأدنى أذى يصيبها ، أو لأنها محل العقائد الزائفة ، والنيات الخبيثة ، ومنشأ الأعمال السيئة ، التي استحق هذا الهمزة اللمزة بسببها العقاب الشديد.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذه النار بصفة ثالثة فقال : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أى : إن هذه النار من صفاتها ـ أيضا ـ أنها مطبقة ومغلقة عليهم بحيث لا يستطيعون الخروج منها ، فقوله (مُؤْصَدَةٌ) اسم مفعول من قولك أوصدت الباب ، إذا أغلقته بشدة ، بحيث لا يستطاع الخروج منه ...