فقوله : (يَدُعُ) من الدع وهو الدفع الشديد ، والتعنيف الشنيع للغير ...
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أى : أن من صفاته الذميمة ـ أيضا ـ أنه لا يحث أهله وغيرهم من الأغنياء على بذل الطعام للبائس المسكين ، وذلك لشحه الشديد ، واستيلاء الشيطان عليه ، وانطماس بصيرته عن كل خير.
وفي هذه الآية والتي قبلها دلالة واضحة على أن هذا الإنسان المكذب بالدين قد بلغ النهاية في السوء والقبح ، فهو لقسوة قلبه لا يعطف على يتيم ، بل يحتقره ويمنع عنه كل خير ، وهو لخبث نفسه لا يفعل الخير ، ولا يحض غيره على فعله ، بل يحض على الشرور والآثام.
ولما كانت هذه الصفات الذميمة ، لا تؤدى إلى إخلاص أو خشوع لله ـ تعالى ـ وإنما تؤدى إلى الرياء وعدم المبالاة بأداء التكاليف التي أوجبها ـ سبحانه ـ على خلقه ...
لما كان الأمر كذلك ، وصف ـ سبحانه ـ هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ).
والفاء في قوله : (فَوَيْلٌ) للتفريع والتسبب ، والويل : الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد.
وهو مبتدأ ، وقوله (لِلْمُصَلِّينَ) خبره ، والمراد بالسهو هنا : الغفلة والترك وعدم المبالاة ...
أى : فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين.
وهذه الصفات الثلاث أولها : الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها.
وثانيها : أداؤها رياء وخداعا لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين كما قال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى. يُراؤُنَ النَّاسَ ، وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).
وثالثها : منع الماعون : أى منع الخير والمعروف والبر عن الناس. فالمراد بمنع الماعون : منع كل فضل وخير عن سواهم. فلفظ «الماعون» أصله «معونة» والألف عوض من الهاء (١). والعون : هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته ... فالمراد بالماعون : ما يستعان به على
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٢١٤.