التفسير
قال الله ـ تعالى ـ :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٣)
والكوثر : فوعل من الكثرة ، مثل النّوفل من النفل ، ومعناه : الشيء البالغ في الكثرة حد الإفراط ، والعرب تسمى كل شيء كثر عدده ، وعظم شأنه : كوثرا ، وقد قيل لأعرابية بعد رجوع ابنها من سفر : بم آب ابنك؟ قالت : آب بكوثر. أى : بشيء كثير.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه : واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي صلىاللهعليهوسلم على ستة عشر قولا : الأول : أنه نهر في الجنة ، رواه البخاري عن أنس ، ورواه الترمذي ـ أيضا ـ عن ابن عمر ... الثاني : أنه حوض للنبي صلىاللهعليهوسلم في الموقف ... الثالث : أنه النبوة والكتاب ... الرابع : أنه القرآن ... الخامس : الإسلام.
ثم قال ـ رحمهالله ـ قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني ، لأنه ثابت عن النبي صلىاللهعليهوسلم نص في الكوثر ... وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه صلىاللهعليهوسلم زيادة على حوضه ...» (١).
وافتتح ـ سبحانه ـ الكلام بحرف التأكيد ، للاهتمام بالخبر ، وللإشعار بأن المعطى شيء عظيم ... أى : إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا ـ أيها الرسول الكريم ـ الكوثر ، أى : الخير الكثير الذي من جملته هذا النهر العظيم ، والحوض المطهر ... فأبشر بذلك أنت وأمتك ، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك في شأنك.
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد بالصلاة : المداومة عليها.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٢١٨ ، وابن كثير ج ٧ ص ٥١٩.