أى : ما دمنا قد أعطيناك هذه النعم الجزيلة ، فداوم على شكرك لنا ، بأن تواظب على أداء الصلاة أداء تاما ، وبأن تجعلها خالصة لربك وخالقك ، وبأن تواظب ـ أيضا ـ على نحرك الإبل تقربا إلى ربك. كما قال ـ سبحانه ـ (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
ثم بشره ـ سبحانه ـ ببشارة أخرى فقال : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) والشانئ : هو المبغض لغيره ، يقال : شنأ فلان شنئا ، إذا أبغضه وكرهه.
والأبتر في الأصل : هو الحيوان المقطوع الذنب ، والمراد به هنا : الإنسان الذي لا يبقى له ذكر. ولا يدوم له أثر ...
شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان ، لأنه تابع له وهو زينته ، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذيل وقطعه.
والمعنى : إن مبغضك وكارهك ـ أيها الرسول الكريم ـ هو المقطوع عن كل خير ، والمحروم من كل ذكر حسن.
قال الإمام ابن كثير : «كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه السورة.
وقال السدى : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا : بتر ، فلما مات أبناء النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا : بتر محمد فأنزل الله هذه الآية.
وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد ...
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.