فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلىاللهعليهوسلم وبينهم في المعبود ، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة ، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ، ومن عبادتهم الفاسدة ، وأنه صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المؤمنين ، لا يعبدون إلا الله ـ عزوجل ـ ، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة.
وقوله ـ تعالى ـ : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) تذييل مؤكد لما قبله. والدين : يطلق بمعنى العقيدة التي يعتقدها الإنسان ويدين بها ، وبمعنى الملة التي تجرى أقواله وأفعاله على مقتضاها ، وبمعنى الحساب والجزاء. ومنه قولهم : دنت فلانا بما صنع ، أى : جازيته على صنيعه.
واللفظ هنا شامل لكل ذلك ، أى : لكم ـ أيها الكافرون ـ دينكم وعقيدتكم التي تعتقدونها ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين ، فضلا عن رسولهم ومرشدهم صلىاللهعليهوسلم ، ولى ديني وعقيدتي التي هي عقيدة التوحيد ، والتي بايعنى عليها أتباعى المؤمنون ، وهي مقصورة علينا ، وأنتم محرومون منها ، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لي.
وقدم ـ سبحانه ـ المسند على المسند إليه ، لإفادة القصد والاختصاص فكأنه قيل : لكم دينكم لا لغيركم ، ولى ديني لا لغيري والله ـ تعالى ـ هو أحكم الحاكمين بيني وبينكم.
وبذلك نرى السورة الكريمة ، قد قطعت كل أمل توهم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإلى الاستجابة لشيء من مطالبهم الفاسدة ، وإنما هو صلىاللهعليهوسلم برىء براءة تامة منهم ومن معبوداتهم وعباداتهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.