أى : أن أبا لهب لن يغنى عنه ماله الكثير ، وكسبه الوفير من حطام الدنيا ... لن يغنى عنه شيئا من عذاب الله ـ تعالى ـ ، أو شيئا من انتشار رسالة الله ـ تعالى ـ في الأرض ، فإن الله ـ سبحانه ـ ناصر نبيه صلىاللهعليهوسلم ومؤيده بروح منه.
والتعبير بالماضي في قوله : (ما أَغْنى ...) لتحقيق وقوع عدم الإغناء.
والراجح أن «ما» الأولى نافية ، والثانية موصولة. أى : ما أغنى عنه شيئا ماله الذي ورثه عن أبيه ، وأيضا ما أغنى عنه شيئا ماله الذي جمعه واكتسبه هو بنفسه عن طريق التجارة وغيرها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) بيان للعاقبة السيئة التي تنتظره ، بعد هذا الذم والتأنيب والوعيد. أى : سيلقى بأبى لهب في نار شديدة الحرارة ، تشوى الوجوه والأبدان ، ووصف ـ سبحانه ـ النار بأنها «ذات لهب» لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وكفره ، إذ هو معروف بأبى لهب ، والنار موصوفة بأنها ذات لهب شديد.
ثم أعقب ـ سبحانه ـ ذلك ، بذم زوجه التي كانت تشاركه العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
وقوله : (وَامْرَأَتُهُ) معطوف على الضمير المستتر العائد على أبى لهب في قوله (سَيَصْلى) ، وانتصاب لفظ «حمالة» على الذم بفعل مضمر ، لأن المقصود به هنا الذم ، وقرأ الجمهور (حَمَّالَةَ) ـ بالرفع ـ على أنه صفة لها ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، أى : هي حمالة الحطب.
والمقصود بقوله ـ تعالى ـ (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) الحقيقة ، فقد روى أنها كانت تحمل بنفسها حزمة الشّوك والحسك والسّعدان ، فتنثرها بالليل في طريقه صلىاللهعليهوسلم ، لإيذائه به ، ويصح أن يكون المراد بهذه الجملة الكناية عن مشيها بين الناس بالنميمة ، وإشاعة السوء حول الرسول صلىاللهعليهوسلم فإنه يقال لمن يمشى بالنميمة ليفسد بين الناس ، إنسان يحمل الحطب بين الناس ، أى : أنه يفسد بينهم.
ويصح أن يكون المقصود بهذه الجملة ، حملها للذنوب والخطايا ، من قولهم : فلان يحطب على ظهره ، إذا كان يكتسب الذنوب والخطايا ، فاستعير الحطب لذلك.
وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول ، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي صلىاللهعليهوسلم (١).
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٠ ص ٢٢٠.