وقدم ـ سبحانه ـ الجنّة على الناس ، لأنهم هم أصل الوسواس ، إذ أنهم مختفون عنا ، ولا نراهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ).
فلفظ الجنّة ـ بكسر الجيم ـ مأخوذ من الجنّ ـ بفتح الجيم ـ على معنى الخفاء والاستتار.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ أعوذ وأعتصم وأستجير ، برب الناس ، ومالكهم ومعبودهم الحق ، من شر الشيطان الموسوس بالشر ، والذي يخنس ويتأخر ويندحر ، إذا ما تيقظ له الإنسان ، واستعان عليه بذكر الله ـ تعالى ـ.
والذي من صفاته ـ أيضا ـ أنه يوسوس في صدور الناس بالسوء والفحشاء ، حيث يلقى فيها خفية ، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد.
وهذا الوسواس الخناس ، قد يكون من الجن ، وقد يكون من الإنس ، فعليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تستعيذ بالله ـ تعالى ـ من شر النوعين جميعا.
قال ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ...).
قال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
وقال الإمام ابن كثير : هذه ثلاث صفات من صفات الله ـ عزوجل ـ الربوبية ، والملك ، والألوهية.
فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ... فأمر سبحانه ـ المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات ، من شر الوسواس الخناس ، وهو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بنى آدم ، إلا وله قرين يزين له الفواحش ... والمعصوم من عصمه الله.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه» ، قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : «نعم ، إلا أن الله ـ تعالى ـ أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير» (١).
ومن الأحاديث التي وردت في فضل هذه السور الثلاث : الإخلاص والمعوذتين ، ما أخرجه البخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٥٨.