والعرب يذكرون التناول باليمين ، على أنه كناية عن الاهتمام بالشيء المأخوذ ، وعن الاعتزاز به ، ومنه قول الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
وجملة (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) جواب «أما» ـ ولفظ «هاؤم» هنا :
اسم فعل أمر. بمعنى : خذوا ، والهاء في قوله «كتابيه وحسابيه» وما ماثلهما للسكت ، والأصل كتابي وحسابي فأدخلت عليهما هاء السكت لكي تظهر فتحة الياء.
والمعنى في هذا اليوم يعرض كل إنسان للحساب والجزاء ، ويؤتى كل فرد كتاب أعماله ، فأما من أعطى كتاب أعماله بيمينه ، على سبيل التبشير والتكريم ، (فَيَقُولُ) على سبيل البهجة والسرور لكل من يهمه أن يقول له : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) أى : هذا هو كتابي فخذوه واقرءوه فإنكم ستجدونه مشتملا على الإكرام لي ، وتبشيرى بالفوز الذي هو نهاية آمالى ، ومحط رجائي.
(إِنِّي ظَنَنْتُ) أى : تيقنت وعلمت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) أى : إنى علمت أن يوم القيامة حق ، وتيقنت أن الحساب والجزاء صدق ، فأعددت للأمر عدته عن طريق الإيمان الكامل ، والعمل الصالح.
قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شك.
وهذه الجملة الكريمة بمنزلة التعليل للبهجة والمسرة التي دل عليها قوله ـ تعالى ـ (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ).
(فَهُوَ) أى : هذا المؤمن الفائز برضا الله ـ تعالى ـ (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أى : في حياة ذات رضا ، أى : ثابت ودائم لها الرضا. فهي صيغة نسب ، كلابن وتامر لصاحب اللبن والتمر.
أو فهو في عيشة مرضية يرضى بها صاحبها ولا يبغضها ، فهي فاعل بمعنى مفعول ، على حد قولهم : ماء دافق بمعنى مدفوق.
وفي هذا التعبير ما فيه من الدلالة على أن هذه الحياة التي يحياها المؤمن في الجنة ، في أسمى درجات الحبور والسرور ، حتى لكأنه لو كان للمعيشة عقل ، لرضيت لنفسها بحالتها ، ولفرحت بها فرحا عظيما.
(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أى : هذا الذي أوتى كتابه بيمينه ، يكون ـ أيضا ـ في جنة مرتفعة على غيرها ، وهذا لون من مزاياها.