(قُطُوفُها دانِيَةٌ) أى : ثمارها قريبة التناول لهذا المؤمن ، يقطفها كلما أرادها بدون تعب. فالقطوف جمع قطف بمعنى مقطوف ، وهو ما يجتنيه الجاني من الثمار ، و (دانِيَةٌ) اسم فاعل ، من الدنو بمعنى القرب. وجملة (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) مقول لقول محذوف.
أى : يقال لهؤلاء المؤمنين الصادقين ، الذين أعطوا كتابهم بأيمانهم كلوا أكلا طيبا ، واشربوا هنيئا مريئا بسبب ما قدمتموه في دنياكم من إيمان بالله ـ تعالى ـ ومن عمل صالح خالص لوجهه ـ تعالى ـ.
قال الإمام ابن كثير : أى : يقال لهم ذلك ، تفضلا عليهم ، وامتنانا وإنعاما وإحسانا ، وإلا فقد ثبت في الصحيح ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اعملوا وسددوا وقاربوا ، واعلموا أن أحدا منكم لن يدخله عمله الجنة. قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (١).
وكعادة القرآن الكريم ، في بيان سوء عاقبة الأشرار ، بعد بيان حسن عاقبة الأخيار ، أو العكس ، جاء الحديث عمن أوتى كتابه بشماله ، بعد الحديث عمن أوتى كتابه بيمينه ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ)(٣٧)
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٤٢.