أى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) أى : من الجهة التي يعلم أن الإتيان منها يؤدى إلى هلاكه وعذابه.
(فَيَقُولُ) على سبيل التحسر والتفجع (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) أى : فيقول يا ليتني لم أعط هذا الكتاب ، لأن إعطائى إياه بشمالي دليل على عذابي وعقابي.
(وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) أى : ويا ليتني لم أعرف شيئا عن حسابي ، فإن هذه المعرفة التي لم أحسن الاستعداد لها ، أوصلتنى إلى العذاب المبين.
(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) أى : ويا ليت الموتة التي متها في الدنيا ، كانت هي الموتة النهائية التي لا حياة لي بعدها.
فالضمير للموتة التي ماتها في الدنيا ، وإن كان لم يجر لها ذكر ، إلا أنها عرفت من المقام.
والمراد بالقاضية : القاطعة لأمره ، التي لا بعث بعدها ولا حساب .. لأن ما وجده بعدها أشد مما وجده بعد حلوله بها.
قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره منه. وشر من الموت ما يطلب منه الموت.
ثم أخذ هذا الذي أوتى كتابه بشماله يتحسر على تفريطه وغروره ، ويحكى القرآن ذلك فيقول : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) أى : هذه الأموال التي كنت أملكها في الدنيا ، وأتفاخر بها. لم تغن عنى شيئا من عذاب الله ، ولم تنفعني ولو منفعة قليلة.
فما نافية ، والمفعول محذوف للتعميم ، ويجوز أن تكون استفهامية والمقصود بها التوبيخ.
أى : أى شيء أغنى عنى مالي؟ إنه لم يغن عنى شيئا.
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أى : ذهب عنى ، وغاب عنى في هذا اليوم ما كنت أتمتع به في الدنيا من جاه وسلطان ، ولم يحضرني شيء منه ، كما أن حججي وأقوالى التي كنت أخاصم بها المؤمنين. قد ذهبت أدراج الرياح.
وعدى الفعل «هلك» بعن ، لتضمنه معنى غاب وذهب.
وخلال هذا التفجع والتحسر الطويل ... يأتى أمر الله ـ تعالى ـ الذي لا يرد ، فيقول ـ سبحانه ـ للزبانية المكلفين بإنزال العذاب بالكافرين : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) أى : خذوا هذا الكافر ، فاجمعوا يديه إلى عنقه.
فقوله : (خُذُوهُ) معمول لقول محذوف. وهو جواب عن سؤال نشأ مما سبق من الكلام. فكأنه قيل : وماذا يفعل به بعد هذا التحسر والتفجع. فكان الجواب : أمر