الله ـ تعالى ـ ملائكته بقوله : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) ..
وقوله : (فَغُلُّوهُ) من الغل ـ بضم الغين ـ وهو ربط اليدين إلى العنق على سبيل الإذلال.
(ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أى : ثم بعد هذا التقييد والإذلال .. اقذفوا به إلى الجحيم ، وهي النار العظيمة ، الشديدة التأجج والتوهج.
ومعنى (صَلُّوهُ) بالغوا في تصليته النار ، بغمسه فيها مرة بعد أخرى. يقال : صلى فلان النار ، إذا ذاق حرها ، وصلّى فلان فلانا النار ، إذا أدخله فيها. وقلبه على جمرها كما تقلب الشاة في النار.
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) والسلسلة : اسم لمجموعة من حلق الحديد ، يربط بها الشخص لكي لا يهرب ، أو لكي يزاد في إذلاله وهو المراد هنا.
وقوله : (ذَرْعُها) أى : طولها. والمراد بالسبعين : حقيقة هذا المقدار في الطول ، أو يكون هذا العدد كناية عن عظيم طولها ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ...) (١).
وقوله : (فَاسْلُكُوهُ) من السّلك بمعنى الإدخال في الشيء ، كما في قوله ـ تعالى ـ (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) أى : ما أدخلكم فيها.
أى : خذوا هذا الكافر ، فقيدوه ثم أعدوه للنار المحرقة. ثم اجعلوه مغلولا في سلسلة طولها سبعون ذراعا ، بحيث تكون محيطة به إحاطة تامة. أى ألقوا به في الجحيم وهو مكبل في أغلاله.
و (ثُمَ) في كل آية جيء بها للتراخي الرتبى ، لأن كل عقوبة أشد من سابقتها. إذ إدخاله في السلسلة الطويلة. أعظم من مطلق إلقائه في الجحيم كما أن إلقاءه في الجحيم ، أشد من مطلق أخذه وتقييده.
وفي هذه الآيات ما فيها من تصوير يبعث في القلوب الخوف الشديد ، ويحملها على حسن الاستعداد لهذا اليوم. الذي لا تغنى فيه نفس عن نفس شيئا.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات بعض الأحاديث والآثار ، منها : ما رواه ابن أبى حاتم ، عن المنهال بن عمرو قال : إذا قال الله ـ عزوجل ـ (خُذُوهُ ..) ابتدره
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٨٠.