سبعون ألف ملك ، وإن الملك منهم ليقول هكذا ـ أى : ليفعل هكذا ـ فيلقى سبعين ألفا في النار (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي أدت بهذا الشقي إلى هذا المصير الأليم فقال : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ).
أى : إن هذا الشقي إنما حل به ما حل من عذاب .. لأنه كان في الدنيا ، مصرا على الكفر ، وعلى عدم الإيمان بالله الواحد القهار ..
وكان كذلك (لا يَحُضُ) أى : لا يحث نفسه ولا غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أى : على بذل طعامه أو طعام غيره للمسكين ، الذي حلت به الفاقة والمسكنة.
ولعل وجه التخصيص لهذين الأمرين بالذكر ، أن أقبح شيء يتعلق بالعقائد ، وهو الكفر بالله ـ تعالى ـ وأن أقبح شيء في الطباع ، هو البخل وقسوة القلب.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات ، بزيادة البيان للمصير الأليم لهذا الشقي فقال : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ) أى : يوم القيامة (هاهُنا حَمِيمٌ) أى : ليس له في هذا اليوم من صديق ينفعه ، أو من قريب يشفق عليه ، أو يحميه ، أو يدفع عنه.
(وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أى : وليس له في جهنم من طعام سوى الغسلين وهو صديد أهل النار .. أو شجر يأكله أهل النار ، فيغسل بطونهم ، أى : يخرج أحشاءهم منها ، أو ليس لهم إلا شر الطعام وأخبثه.
(لا يَأْكُلُهُ) أى : الغسلين (إِلَّا الْخاطِؤُنَ) أى : إلا الكافرون الذين تعمدوا ارتكاب الذنوب ، وأصروا عليها ، من خطئ الرجل : إذا تعمد ارتكاب الذنب.
فالخاطئ هو من يرتكب الذنب عن تعمد وإصرار. والمخطئ : هو من يرتكب الذنب عن غير إصرار وتعمد.
وهكذا. نجد الآيات الكريمة قد ساقت أشد ألوان الوعيد والعذاب .. للكافرين ، بعد أن ساقت قبل ذلك ، أعظم أنواع النعيم المقيم للمؤمنين.
وبعد هذا العرض ـ الذي بلغ الذروة في قوة التأثير ـ لأهوال يوم القيامة ، ولبيان حسن عاقبة المتقين ، وسوء عاقبة المكذبين .. بعد كل ذلك أخذت السورة في أواخرها ، في تقرير حقيقة هذا الدين ، وفي تأكيد صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، وفي بيان أن هذا القرآن من عنده ـ تعالى ـ وحده .. فقال ـ سبحانه ـ :
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٤٣.