والثالث : من السيلان ، والمعنى : سال واد في جهنم بعذاب ، فالألف منقلبة عن ياء (١).
وقد حكى القرآن الكريم عن كفار مكة ، أنهم كانوا يسألون النبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل التهكم والاستهزاء عن موعد العذاب الذي يتوعدهم به إذا ما استمروا على كفرهم ، ويستعجلون وقوعه.
قال ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقال ـ سبحانه ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ).
وعلى هذا يكون السؤال على حقيقته ، وأن المقصود به الاستهزاء بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين.
ومنهم من يرى أن سأل هنا بمعنى دعا. أى : دعا داع على نفسه بعذاب واقع.
قال الآلوسى ما ملخصه : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) أى : دعا داع به ، فالسؤال بمعنى الدعاء ، ولذا عدى بالباء تعديته بها في قوله (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ). والمراد : استدعاء العذاب وطلبه .. وقيل إنها بمعنى «عن» كما في قوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً).
والسائل هو النضر بن الحارث ـ كما روى النسائي وجماعة وصححه الحاكم ـ حيث قال إنكارا واستهزاء «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم». وقيل السائل : أبو جهل ، حيث قال : «فأسقط علينا كسفا من السماء» (٢).
وعلى أية حال فسؤالهم عن العذاب ، يتضمن معنى الإنكار والتهكم ، كما يتضمن معنى الاستعجال ، كما حكته بعض الآيات الكريمة ..
ومن بلاغة القرآن ، تعدية هذا الفعل هنا بالباء ، ليصلح لمعنى الاستفهام الإنكارى ، ولمعنى الدعاء والاستعجال.
أى : سأل سائل النبي صلىاللهعليهوسلم سؤال تهكم ، عن العذاب الذي توعد به الكافرين إذا ما استمروا على كفرهم. وتعجّله في وقوعه بل أضاف إلى ذلك ـ لتجاوزه الحد في عناده وطغيانه ـ أن قال : «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم».
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٠٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢٩ ص ٥٥.