وقال ـ سبحانه ـ (بِعَذابٍ واقِعٍ) ولم يقل بعذاب سيقع ، للإشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب في الدنيا والآخرة.
أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل في غزوة بدر وهو النضر بن الحارث ، وأبو جهل وغيرهما ، وأما في الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى.
ثم وصف ـ سبحانه ـ العذاب بصفات أخرى ، غير الوقوع فقال : (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ. مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ). واللام في قوله (لِلْكافِرينَ) بمعنى على. أو للتعليل.
أى : سأل سائل عن عذاب واقع على الكافرين ، هذا العذاب ليس له دافع يدفعه عنهم ، لأنه واقع من الله ـ تعالى ـ (ذِي الْمَعارِجِ).
والمعارج جمع معرج ، وهو المصعد ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) (١).
وقد ذكر المفسرون في المراد بالمعارج وجوها منها : أن المراد بها السموات ، فعن ابن عباس أنه قال أى : ذي السموات ، وسماها معارج لأن الملائكة يعرجون فيها.
ومنها : أن المراد بها : النعم والمنن. فعن قتادة أنه قال : ذي المعارج ، أى : ذي الفواضل والنعم. وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب ، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة.
ومنها : أن المراد بها الدرجات التي يعطيها لأوليائه في الجنة.
وفي وصفه ـ سبحانه ـ ذاته ب (ذِي الْمَعارِجِ) : استحضار لصورة عظمة جلاله ، وإشعار بكثرة مراتب القرب من رضاه وثوابه ، فإن المعارج من خصائص منازل العظماء.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هذا العذاب الواقع على الكافرين. بجملة من الصفات ، لتكون ردا فيه ما فيه من التهديد والوعيد للجاحدين ، الذين استهزءوا به وأنكروه.
والمراد بالروح في قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : جبريل ـ عليهالسلام ـ وأفرد بالذكر لتمييزه وفضله ، فهو من باب عطف الخاص على العام.
والضمير في «إليه» يعود إلى الله ـ تعالى ـ.
أى : تصعد الملائكة وجبريل ـ عليهالسلام ـ معهم ، إليه ـ تعالى ـ.
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ٣٣.